يدعوهم إلَى الحقّ استوجب ذلك أن يُنسب المثل إلَى الذين كفروا لا إلى رسول اللَّه تعالى ، فأنتج ما أشبه القلب .۱
وفي قوله تعالى : (مَثَلُ الّذينَ كَفَروا بَرَبِّهِمْ أعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بهِ الرِّيحُ في يَومٍ عاصِفٍ...) إلى آخر الآية : يومٌ عاصفٌ: شديد الرّيح ، تمثيلٌ لأعمال الكفّار من حيث تترتّب نتائجها عليها ، وبيان أنّها حبطٌ باطلةٌ لا أثر لها من جهة السعادة ، فهو كقوله تعالى: (وقَدِمْنا إلى ما عَمِلوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثوراً)۲ ، فأعمالهم كذرّاتٍ من الرماد اشتدّت به الريح في يومٍ شديد الريح فنثرته ولم يبق منه شيئاً ، هذا مثلهم من جهة أعمالهم .
ومن هنا يظهر أنْ لاحاجة إلى تقدير شيءٍ في الكلام وإرجاعه إلى مِثل قولنا : مَثَل أعمال الذين كفروا ... إلخ . والظاهر أنّ الآية ليست من تمام كلام موسى ، بل هي كالنتيجة المحصّلة من كلامه المنقول.۳
وفي قوله تعالى : (والّذينَ كَفَروا أعْمالُهُم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً...) إلى آخر الآية : السّراب هو مايلمع في المفازة كالماء ولا حقيقة له ، والقِيع والقاع هو المُستوي من الأرض ، ومفرداهما القيعة والقاعة كالتِّينة والتَّمرة ، والظمآن هو العطشان .
لمّا ذكر سبحانه المؤمنين ووصفهم بأنّهم ذاكرون له في بيوتٍ معظّمةٍ لا تلهيهم عنه تجارة ولا بيع ، وأنّ اللَّه الذي هو نور السماوات والأرض يهديهم بذلك إلى نوره فيكرمهم بنور معرفته ، قابل ذلك بذكر الذين كفروا، فوصف أعمالهم تارةً بأنّها لاحقيقة لها كسرابٍ بقيعةٍ فلا غاية لها تنتهي إليها ، وتارةً بأنّها كظلماتٍ بعضها فوق بعضٍ لانور معها وهي حاجزةٌ عن النور . وهذه الآية هي التي تتضمّن الوصف الأوّل .
فقوله : (والّذينَ كَفَروا أعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حتّى إذا جاءَهُ لَم يَجِدْهُ شَيئاً) شبّه أعمالهم - وهي التي
1.الميزان في تفسير القرآن : ۱/۴۲۰ .
2.الفرقان : ۲۳ .
3.الميزان في تفسير القرآن : ۱۲/۳۶ .