الأمثال‏ - الصفحه 21

وفي قوله تعالى‏ : (إنّا جَعَلْنا فِي أعْناقِهِم أغْلالاً فَهِيَ إلَى الأذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحونَ): الأعناق: جمع عُنُق بضمّتين وهو الجِيد ، والأغلال: جمع غِلّ بالكسر، وهي على‏ ماقيل: ما تُشدُّ به اليد إلَى العنق للتعذيب والتشديد . ومُقمَحون: اسم مفعولٍ من الإقماح، وهو رفع الرأس، كأنّهم قد ملأت الأغلال ما بين صدورهم إلى‏ أذقانهم فبقيت رؤوسهم مرفوعةً إلَى السماءِ لا يتأتّى‏ لهم أن ينكسوها فينظروا إلى‏ ما بين أيديهم من الطريق فيعرفوها ويميّزوها من غيرها . وتنكير قوله : (أغلالاً) للتفخيم والتهويل . والآية في مقام التعليل لقوله السابق : (فَهُمْ لايُؤمِنونَ) .
قوله تعالى‏ : (وجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أيْديهِم سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِم سَدّاً فأغْشَيْناهُم فَهُم لايُبْصِرونَ)، السدّ: الحاجز بين الشيئين . وقوله : (مِن بَينِ أيْديهِم... ومِنْ خَلْفِهِم) كناية عن جميع الجهات ، والغَشي والغَشَيان: التغطية، يقال : غشيه كذا أي غطّاه ، وأغشى‏ الأمر فلاناً أي جعل الأمر يُغطّيه ، والآية متمّمةٌ للتعليل السابق ، وقوله : (جَعَلْنا) معطوفٌ على‏ (جَعَلْنا) المتقدّم .
وعن الرازيّ في تفسيره، في معنى‏ التشبيه في الآيتين : أنّ المانع عن النظر في الآيات قسمان : قسمٌ يمنع عن النظر في الأنفُس، فشبّه ذلك بالغِلّ الذي يجعل صاحبه مُقمَحاً لايرى‏ نفسه ولا يقع بصره على‏ بدنه . وقسمٌ يمنع عن النظر في الآفاق، فشبّه ذلك بالسدّ المحيط ؛ فإنّ المحاط بالسدّ لايقع نظره علَى الآفاق، فلا يظهر له ما فيها من الآيات ، فمن ابتُلي بهما حُرم عن النظر بالكلّيّة .
ومعنَى الآيتين أنّهم لايؤمنون؛ لأنّا جعلنا في أعناقهم أغلالاً نشدُّ بها أيديهم على‏ أعناقهم فهي إلَى الأذقان فهم مرفوعةً رؤوسهم باقون على‏ تلك الحال ، وجعلنا من جميع جهاتهم سدّاً فجعلناه يغطّيهم فهم لايبصرون فلا يهتدون ، ففي الآيتين تمثيلٌ لحالهم في

الصفحه من 44