والجملة من تمام الحجّة، ومحصّلها : أنّه لايستوي المملوك الذي لايقدر أن يتصرّف في شيءٍ ويُنعم بشيءٍ ، والمالك الذي يملك الرزق ويقدر علَى التصرّف فيه ، فيتصرّف ويُنعم كيف شاء ، واللَّه سبحانه هو المحمود بكلّ حمدٍ إذ ما من نعمةٍ إلّا وهي من خلقه، فله كلّ صفةٍ يُحمد عليها كالخلق والرِّزق والرّحمة والمغفرة والإحسان والإنعام وغيرها ، فله كلّ ثناء جميل ، وما يعبدون من دونه مملوك لايقدر على شيء، فهو سبحانه الربّ وحده دون غيره .
وقد قيل : إنّ الحمد في الآية شكر على نعمه تعالى ، وقيل : حمد على تمام الحجّة وقوّتها ، وقيل : تلقين للعباد ، ومعناه قالوا : الحمد للَّه الّذي دلّنا على توحيده وهدانا إلى شكر نعمه ، وهي وجوهٌ لا يُعبأ بها .
وقوله : (بَل أكَثَرُهُمْ لايَعْلَمونَ) أي أكثر المشركين لايعلمون أنّ النّعمةَ كلّها للَّه لايملك غيره شيئاً ولا يقدر على شيءٍ ، بل يُثبتون لأوليائهم شيئاً من الملك والقدرة على سبيل التفويض فيعبدونهم طمعاً وخوفاً ، هذا حال أكثرهم، وأمّا أقلّهم من الخواصّ فإنّهم على علمٍ من الحقّ لكنّهم يَحيدون عنه بغياً وعناداً .
وقد تبيّن ممّا تقدّم أنّ الآية مَثَلٌ مضروبٌ في اللَّه سبحانه وفيمن يزعمونه شريكاً له في الرّبوبيّة. وقيل : إنّها مَثَل تمثّل به حال الكافر المخذول والمؤمن الموفّق ، فإنّ الكافر لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأعماله كالعبد المملوك الذي لايقدر على شيءٍ فلا يُعدّ له إحسان وإن أنفق وبالغ ، بخلاف المؤمن الذي يوفّقه اللَّه لمرضاته ويشكر مساعيه ؛ فهو ينفق ممّا عنده من الخير سرّاً وجهراً .
وفيه : أنّه لايلائم سياق الاحتجاج الذي للآيات ، وقد تقدّم أنّ الآية إحدَى الآيات الثّلاث المتوالية التي تتعرّض لغرض تعداد النعم الإلهيّة ، وهي تذكّر بالتوحيد بمَثَل يقيس حال من يُنعم بجميع النعم من حال من