مِن نُطْفَةٍ أمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيراً)1 وقال : (وَنبلُوَكُم بالشَّرِّ والخَيرِ فِتْنَةً)2، وكأنّه يريد به ما يفصّله قوله : (فأمَّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ * وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ علَيهِ رِزْقَهُ فيَقولُ رَبّي أهانَنِ)3 ، وقال : (إنَّما أمْوالُكُم وأوْلادُكُم فِتْنَةٌ)4وقال : (ولكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)5، وقال : (كذلكَ نَبْلُوهُم بِما كانوا يَفْسُقونَ)6، وقال : (وَلِيُبْلِيَ المُؤمنينَ مِنهُ بَلاءً حَسَناً)7، وقال : (أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقولوا آمَنّا وهُم لايُفْتَنونَ * ولَقَدْ فَتَنّا الّذينَ مِن قَبْلِهِم فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الّذينَ صَدَقوا وليَعْلَمَنَّ الكاذِبينَ) .8
وقال في مثل إبراهيم : (وإذِ ابْتَلى إبراهيمَ ربُّهُ بكَلِماتٍ)9، وقال في قصّة ذبح إسماعيل : (إنّ هذا لَهُوَ البَلاءُ المُبينُ)10، وقال في موسى: (وفَتَنّاكَ فُتُوناً)11، إلى غير ذلك من الآيات .
والآيات كما ترى تعمّم المحنة والبلاء لجميع ما يرتبط به الإنسان من وجوده وأجزاء وجوده كالسمع والبصر والحياة ، والخارج من وجوده المرتبط به بنحوٍ كالأولاد والأزواج والعشيرة والأصدقاء والمال والجاه وجميع ما ينتفع به نوع انتفاعٍ ، وكذا مقابلات هذه الاُمور كالموت وسائر المصائب المتوجّهة إليه . وبالجملة : الآيات تعدّ كلّ ما يرتبط به الإنسان من أجزاء العالم وأحوالها فتنةً وبلاءً من اللَّه سبحانه بالنسبة إليه .
وفيها تعميمٌ آخر من حيث الأفراد ؛ فالكلّ مُفَتَّنون مُبتَلَون من مؤمن أو كافر ، وصالح أو طالح ، ونبيّ أو من دونه ، فهي سنّة جارية لا يستثنى منها أحد .
فقد بان أنّ سنّة الامتحان سنّة إلهيّة جارية ، وهي سنّة عمليّة متّكئة على سنّة اُخرى تكوينيّة ؛ وهي سنّة الهداية العامّة الإلهيّة من حيث تعلّقها بالمكلَّفين كالإنسان وما يتقدّمها وما يتأخّر عنها، أعني القدر والأجل كما مرّ بيانه .