الامتحان‏ - الصفحه 5

التقدير ، والهداية الخاصّة لاتلائم التقدير الذي هو تهيئة الأسباب والعلل لسوق الشي‏ء إلى‏ غاية خلقته ، وإن كانت تلك الهداية أيضاً من جهة النظام العامّ في العالَم داخلةً في حيطةِ التقدير، لكنّ النظر غير النظر ، فافهم ذلك .
وكيف كان، فهذه الهداية العامّة هي هدايته تعالى‏ كلَّ شي‏ءٍ إلى‏ كمال وجوده ، وإيصاله إلى‏ غاية خلقته ، وهي التي بها نزوع كلّ شي‏ءٍ إلى‏ ما يقتضيه قوام ذاته من نشوءٍ واستكمالٍ وأفعالٍ وحركاتٍ وغير ذلك ؛ وللكلام ذيل طويلٌ سنشرحه إن ساعدَنا التوفيق إن شاء اللَّه العزيز .
والغرض أنّ كلامه تعالى‏ يدلّ على‏ أنّ الأشياء إنّما تنساق إلى‏ غاياتها وآجالها بهداية عامّة إلهيّة لا يشذّ عنها شاذّ ، وقد جعلها اللَّه تعالى‏ حقّاً لها على‏ نفسه وهو لايُخلف الميعاد ؛ كما قال تعالى‏ : (إنّ عَلَينا لَلْهُدى‏ * وإنّ لَنا للآخِرَةَ والاُولى‏)۱ والآية كما ترى‏ تعمّ بإطلاقها الهدايةَ الاجتماعيّة للمجتمعات والهداية الفرديّة مضافةً إلى‏ ما تدلّ عليه الآيتان السابقتان .
فمن حقّ الأشياء علَى اللَّه تعالى‏ هدايتها تكويناً إلى‏ كمالها المقدَّر لها، وهدايتها إلى‏ كمالها المشرَّع لها . وقد عرفت فيما مرّ من مباحث النبوّة أنّ التشريع كيف يدخل في التكوين وكيف يحيط به القضاء والقدر ؛ فإنّ النوع الإنسانيّ له نوع وجودٍ لا يتمّ أمره إلّا بسلسلةٍ من الأفعال الاختياريّة الإراديّة التي لا تقع إلّا عن اعتقادات نظريّة وعمليّة ، فلابدّ أن يعيش تحت قوانين حقّة أو باطلة جيّدة أو رديّة ، فلابدّ لسائق التكوين أن يهيّئ له سلسلة من الأوامر والنواهي (الشريعة) وسلسلةً اُخرى‏ من الحوادث الاجتماعيّة والفرديّة حتّى يخرج بتلاقيه معهما مافي قوّته إلَى الفعل فيسعد أو يشقى‏ ويظهر ما في مكمن وجوده ، وعند ذلك ينطبق على‏ هذه الحوادث وهذا التشريع اسم المحنة والبلاء ونحوهما .

1.اللّيل : ۱۲ ، ۱۳ .

الصفحه من 12