الامتحان‏ - الصفحه 6

توضيح ذلك : إنّ من لم يتّبع الدعوة الإلهيّة واستوجب لنفسه الشقاء فقد حقّت عليه كلمة العذاب إن بقي على‏ تلك الحال ، فكلّ ما يستقبله من الحوادث المتعلّقة بها الأوامر والنواهي الإلهيّة ويخرج بها من القوّة إلَى الفعل تتمّ له بذلك فعليّة جديدة من الشقاء وإن كان راضياً بما عنده مغروراً بما يجده ، فليس ذلك إلّا مكراً إلهيّاً ؛ فإنّه يشقيهم بعين ما يحسبونه سعادةً لأنفسهم ويخيّب سعيهم فيما يظنّونه فوزاً لأنفسهم ، قال تعالى‏ : (ومَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ واللَّهُ خَيرُ الماكِرِينَ)۱وقال : (ولا يَحِيقُ المَكرُ السَّيّئُ إلّا بِأهلِهِ)۲ وقال : (لِيَمكُرُوا فِيها وَمايَمكُرُونَ إلّا بأنفُسِهِم ومايَشعُرُونَ)۳ وقال : (سَنَسْتَدرِجُهُم مِن حَيثُ لا يَعْلَمُونَ * واُمْلي لَهُم إنّ كَيْدي مَتِينٌ)۴ فما يتبجّح به المغرور الجاهل بأمر اللَّه أنّه سبق ربّه فيما أراده منه بالمخالفة والتمرّد فإنّه يعينه على‏ نفسه فيما أراده ، قال تعالى‏ : (أمْ حَسِبَ الذَّيِنَ يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ أن يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحكُمُونَ)۵ ومن أعجب الآيات في هذا الباب قوله تعالى‏ : (فَلِلّهِ المَكرُ جَمِيعاً) .۶
فجميع هذه المُماكرات والمخالفات والمظالم والتعدّيات - التي تظهر من هؤلاء بالنسبة إلَى الوظائف الدينيّة ، وكلّ ما يستقبلهم من حوادث الأيّام ، ويظهر بها منهم ما أضمروه في قلوبهم ، ودعتهم إلى‏ ذلك أهواؤهم - مكر إلهيّ وإملاء واستدراج ؛ فإنّ من حقّهم علَى اللَّه أن يهديهم إلى‏ عاقبة أمرهم وخاتمته وقد فعل ، واللَّه غالب على‏ أمره .
وهذه الاُمور بعينها إذا نسبت إلَى الشيطان كانت أقسام الكفر والمعاصي إغواءً منه لهم ، والنزوع إليها دعوة ووسوسة ونزعة ووحياً وإضلالاً ، والحوادث الداعية ومايجري مجراها زينة له ووسائل وحبائل وشبكات منه على‏ ما سيجي‏ء بيانه في سورة الأعراف إن شاء اللَّه تعالى‏.

1.آل عمران : ۵۴ .

2.فاطر : ۴۳ .

3.الأنعام : ۱۲۳ .

4.الأعراف : ۱۸۲ ، ۱۸۳ .

5.العنكبوت : ۴ .

6.الرعد : ۴۲ .

الصفحه من 12