في حفظ هذه الوديعة الإلهيّة عن الضيعة ؛ ممّا لاستر عليه ، ولا حاجة إلى إيراد دليلٍ كتابيٍّ يؤدّي إليه ، فقد تضمّن القرآن آياتٍ كثيرةً متكثّرة في الدلالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً وبكلّ لسان وبيان .
ولم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة ، ومهامّ آثارها الجميلة التي يتربّى بها الفرد ، ويقوم بها صُلب المجتمع ، كقوله : (أشِدّاءُ علَى الكُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم)۱ وقولهِ : (لِتَسْكُنوا إلَيها وجَعلَ بَينَكُم مَوَدّةً ورَحْمَةً)۲وقولهِ : (قُلْ مَن حَرّمَ زِينَةَ اللَّهِ الّتي أخْرَجَ لِعبادِهِ والطَّيّباتِ مِن الرِّزْقِ)۳، لكنّه عدلها بالموافقة لحكم العقل ، فصار اتّباع حكم هذه العواطف والميول اتّباعاً لحكم العقل.
وقد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرّعة على ذلك أنّ جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تبطل استقامة العقل في حكمه ، وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع - كشرب الخمر والقمار وأقسام المعاملات الغرريّة والكذب والبهتان والافتراء والغيبة - كلّ ذلك محرّمة في الدِّين .
والباحث المتأمّل يحدس من هذا المقدار أنّ من الواجب أن يفوّض زمام الاُمور الكلّيّة والجهات العامّة الاجتماعيّة - التي ينبغي أن تدبّرها قوة التعقّل ، ويجتنب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانيّة ، كجهات الحكومة والقضاء والحرب - إلى من يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف ، وهو قبيل الرجال دون النساء .
وهو كذلك ؛ قال اللَّه تعالى : (الرِّجالُ قَوّامونَ علَى النِّساءِ) . والسنّة النبويّة التي هي ترجمان البيانات القرآنيّة بيّنت ذلك كذلك ، وسيرته صلى اللَّه عليه وآله جرت على ذلك أيّام حياته ، فلم يُوَلِّ امرأةً على قوم ، ولا أعطى امرأة منصب القضاء ، ولا دعاهنَّ إلى غزاة بمعنى دعوتهنّ إلى أن يُقاتِلن .