المَسخ‏ - الصفحه 8

ثمّ إنّ لهذه الصورة أيضاً أفعالاً وأحوالاً تحصل بتراكمها التدريجيّ صورة خاصّة جديدة توجب تنوّع النّوعيّة الإنسانيّة على‏ حدّ ما ذكر نظيره في النوعيّة الحيوانيّة .
إذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك أنّا لو فرضنا إنساناً رجع بعد موته إلَى الدُّنيا وتجدّد لنفسه التعلّق بالمادّة وخاصّة المادّة التي كانت متعلّقة نفسه من قبل لم يبطل بذلك أصل تجرّد نفسه ، فقد كانت مجرّدة قبل انقطاع العلقة ، ومعها أيضاً وهي مع التعلّق ثانياً حافظة لتجرّدها . والذي كان لها بالموت أنّ الأداة التي كانت رابطة فعلها بالمادّة صارت مفقودة لها ، فلا تقدر على‏ فعل مادّيّ كالصّانع إذا فقد آلات صنعته والأدوات اللازمة لها ، فإذا عادت النّفس إلى‏ تعلّقها الفعليّ بالمادّة أخذت في استعمال قواها وأدواتها البدنيّة ووضعت ما اكتسبتها من الأحوال والملكات بواسطة الأفعال فوق ما كانت حاضرة وحاصلة لها من قبل ، واستكملت بها استكمالاً جديداً من غير أن يكون ذلك منه رجوعاً قَهقرى‏ وسيراً نزوليّاً من الكمال إلَى النّقص، ومن الفعل إلَى القوّة.
فإن قلت : هذا يوجب القول بالقسر الدائم مع ضرورة بطلانه ؛ فإنّ النّفس المجرّدة المنقطعة عن البدن لو بقي في طباعها إمكان الاستكمال من جهة الأفعال المادّيّة بالتعلّق بالمادّة ثانياً كان بقاؤها علَى الحرمان من الكمال إلَى الأبد حرماناً عمّا تستدعيه بطِباعها ، فما كلّ نفس براجعة إلَى الدُّنيا بإعجاز أو خَرق عادة ، والحرمان المستمرّ قسر دائم .
قلتُ : هذه النفوس الّتي خرجت من القوّة إلَى الفعل في الدُّنيا واتّصلت إلى‏ حدّ وماتت عندها لا تبقى‏ على إمكان الاستكمال اللاّحق دائماً ، بل يستقرّ على‏ فعليّتها الحاضرة بعد حين أو تخرج إلَى الصورة العقليّة المناسبة لذلك وتبقى‏ على‏ ذلك، وتزول الإمكان المذكور بعد ذلك، فالإنسان

الصفحه من 12