الغير عمّا يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : مكر محمود ؛ وهو أن يتحرّى بذلك فعلَ جميل ، وعلى ذلك قال اللَّه عَزَّوجلَّ: (واللَّهُ خَيرُ الماكِرينَ)۱، ومذموم؛ وهو أن يتحرّى به فعلَ قبيح ، قال تعالى : (ولا يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بأهْلِهِ)، وقال في الأمرَين: (ومَكَروا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرونَ).۲
وقال بعضهم : من مكر اللَّه تعالى إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدُّنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : من وُسّع علَيهِ دُنياهُ ولم يَعلمْ أنّهُ مُكِرَ بهِ فَهُو مَخدُوعٌ عن عَقلهِ ، وقال : الخداع إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه . انتهى .
وفي المصباح : خدعته خدعاً فانخدع ، والخِدع بالكسر اسم منه ، والخديعة مثله ، والفاعل خدوع مثل رسول ، وخداع أيضاً وخادع ، والخُدعة بالضم ما يخدع به الإنسان مثل اللعبة لما يلعب به . انتهى .
وربّما يفرّق بينهما حيث اجتمعا بأن يراد بالمكر احتيال النفس واستعمال الرأي فيما يراد فعله ممّا لا ينبغي ، وإرادة إظهار غيره ، وصرف الفكر في كيفيّته ، وبالخديعة إبراز ذلك في الوجود وإجراؤه على من يريد ، وكأنّه عليه السلام إنّما قال ذلك لأنّ النّاس كانوا ينسبون معاوية لعنهاللَّه إلَى الدّهاء والعقل ، وينسبونه عليه السلام إلى ضعف الرأي ، لِما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنيّة علَى الكذب والغدر والمكر ، فبيّن عليه السلام أنّه أعرف بتلك الحيل منه، ولكنّها لمّا كانت مخالفة لأمر اللَّه ونهيه فلذا لم يستعملها ، كما روى السيّد رضى اللَّه عنه في «نهج البلاغة» عنه صلوات اللَّه عليه أنّه قال : «ولَقد أصبَحنا في زَمانٍ اتَّخَذَ أكثَرُ أهلِهِ الغَدرَ كَيْساً ، ونَسَبَهُم أهلُ الجَهلِ فيهِ إلى حُسنِ الحِيلَةِ ، مالَهُم قاتَلَهُمُ اللَّهُ ؟ ! قد يَرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجهَ الحِيلَةِ ،
1.آل عمران : ۵۴ و الأنفال : ۳۰ .
2.النمل : ۵۰ .