كقوله تعالى : (وآتَيْناهُم مُلْكاً عَظيماً)۱، وقوله تعالى : (وجَعَلَكُم مُلُوكاً وآتاكُم مالَم يُؤْتِ أحَداً مِنَ العالَمينَ)۲، وقوله تعالى : (واللَّهُ يُؤتي مُلْكَهُ مَن يَشاءُ)۳، إلى غير ذلك من الآيات .
غير أنّ القرآن إنّما يعدّه كرامة إذا اجتمع مع التّقوى ؛ لحصره الكرامة علَى التّقوى من بين جميع ما ربّما يُتخيَّل فيه شيء من الكرامة من مزايا الحياة ، قال تعالى : (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَرٍ واُنْثى وجَعَلْناكُم شُعُوباً وقَبائلَ لِتَعارَفُوا إنّ أكْرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أتْقاكُم).۴ والتّقوى حسابه علَى اللَّه ليس لأحد أن يستعلي به على أحد ، فلا فخر لأحد على أحد بشيء ؛ لأنّه إن كان أمراً دنيويّاً فلا مزيّة لأمر دنيويّ ولا قدر إلّا للدِّين، وإن كان أمراً اُخرويّاً فأمره إلَى اللَّه سبحانه. وعلَى الجملة : لايبقى للإنسان المتلبّس بهذه النّعمة - أعني الملك - في نظر رجل مسلم إلّا تحمّل الجهد ومشقّة التقلّد والأعباء . نعم ، له عند ربّه عظيم الأجر ومزيد الثّواب إن لازم صراط العدل والتّقوى .
وهذا هو روح السّيرة الصّالحة الّتي لازمها أولياء الدّين ، وسنشبع إن شاء اللَّه العزيز هذا المعنى في بحث مستقلّ في سيرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والطّاهرين من آله الثابتة بالآثار الصّحيحة ، وأنّهم لم ينالوا من ملكهم إلّا أن يثوروا على الجبابرة في فسادهم في الأرض ، ويعارضوهم في طغيانهم واستكبارهم .
ولذلك لم يَدعُ القرآن النّاس إلَى الاجتماع على تأسيس الملك وتشييد بنيان القيصريّة والكسرويّة ، وإنّما تلقَّى الملك شأناً من الشّؤون اللازمة المراعاة في المجتمع الإنسانيّ نظير التّعليم أو إعداد القوّة لإرهاب الكفّار .
بل إنّما دعا النّاس إلَى الاجتماع والاتّحاد والاتّفاق علَى الدّين ،