ونهاهم عن التّفرّق والشِّقاق فيه ، وجعله هو الأصل ، فقال تعالى : (وأنَّ هذا صِراطي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبيلِهِ)۱ ، وقال تعالى : (قُلْ يا أهلَ الكِتابِ تَعالَوا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُم أنْ لا نَعْبُدَ إلّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بهِ شَيئاً ولَا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أرْباباً مِن دُونِ اللَّهِ فإنْ تَولَّوا فَقُولوا اشْهَدوا بأنّا مُسلِمونَ)۲، فالقرآن - كما ترى - لا يدعو النّاس إلّا إلَى التسليم للَّه وحده ، ويعتبر من المجتمع المجتمع الدِّينيّ ، ويدحض ما دون ذلك من عبادة الأنداد ، والخضوع لكلّ قصر مَشِيد ، ومنتدَى رفيع ، وملك قيصريّ وكسرويّ ، والتفرّق بإفراز الحدود وتفريق الأوطان وغير ذلك .۳
أقول : وقال رضوان اللَّه تعالى عليه في استناد الملك وسائر الاُمور الاعتباريّة إلَى اللَّه سبحانه :
بحث فلسفيّ :
لا ريب أنّ الواجب تعالى هو الّذي تنتهي إليه سِلسلة العِلّيّة في العالَم ، وأنّ الرابطة بينه وبين العالم جزءاً وكلّاً هي رابطة العِلّيّة ، وقد تبيّن في أبحاث العلّة والمعلول أنّ العلّيّة إنّما هي في الوجود ؛ بمعنى أنّ الوجود الحقيقيّ في المعلول هو المترشِّح من وجود علّته ، وأمّا غيره كالماهيّة فهو بمعزل عن الترشّح والصُّدور والافتقار إلَى العلّة؛ وينعكس بعكس النقيض إلى أنّ ما لا وجود حقيقيّ له فليس بمعلول ولا مُنتَهٍ إلَى الواجب تعالى.
ويشكل الأمر في استناد الاُمور الاعتباريّة المحضة إليه تعالى ؛ إذ لا وجود حقيقيّ لها أصلاً ، وإنّما وجودها وثبوتها ثبوت اعتباريّ لا يتعدّى ظرف الاعتبار والوضع وحيطة الفرض ؛ وما يشتمل عليه الشّريعة من الأمر والنّهي والأحكام والأوضاع كلّها اُمورٌ اعتباريّة، فيشكل نسبتها إليه تعالى ، وكذا أمثال الملك والعزّ والرزق وغير ذلك.
1.الأنعام : ۱۵۳ .
2.آل عمران : ۶۴ .
3.الميزان في تفسير القرآن : ۳/۱۴۴ و ۱۴۹ .