المُلك - الصفحه 11

ونهاهم عن التّفرّق والشِّقاق فيه ، وجعله هو الأصل ، فقال تعالى‏ : (وأنَّ هذا صِراطي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبيلِهِ)۱ ، وقال تعالى‏ : (قُلْ يا أهلَ الكِتابِ تَعالَوا إلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُم أنْ لا نَعْبُدَ إلّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بهِ شَيئاً ولَا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أرْباباً مِن دُونِ اللَّهِ فإنْ تَولَّوا فَقُولوا اشْهَدوا بأنّا مُسلِمونَ)۲، فالقرآن - كما ترى‏ - لا يدعو النّاس إلّا إلَى التسليم للَّه وحده ، ويعتبر من المجتمع المجتمع الدِّينيّ ، ويدحض ما دون ذلك من عبادة الأنداد ، والخضوع لكلّ قصر مَشِيد ، ومنتدَى رفيع ، وملك قيصريّ وكسرويّ ، والتفرّق بإفراز الحدود وتفريق الأوطان وغير ذلك .۳
أقول : وقال رضوان اللَّه تعالى‏ عليه في استناد الملك وسائر الاُمور الاعتباريّة إلَى اللَّه سبحانه :

بحث فلسفيّ :

لا ريب أنّ الواجب تعالى‏ هو الّذي تنتهي إليه سِلسلة العِلّيّة في العالَم ، وأنّ الرابطة بينه وبين العالم جزءاً وكلّاً هي رابطة العِلّيّة ، وقد تبيّن في أبحاث العلّة والمعلول أنّ العلّيّة إنّما هي في الوجود ؛ بمعنى أنّ الوجود الحقيقيّ في المعلول هو المترشِّح من وجود علّته ، وأمّا غيره كالماهيّة فهو بمعزل عن الترشّح والصُّدور والافتقار إلَى العلّة؛ وينعكس بعكس النقيض إلى‏ أنّ ما لا وجود حقيقيّ له فليس بمعلول ولا مُنتَهٍ إلَى الواجب تعالى‏.
ويشكل الأمر في استناد الاُمور الاعتباريّة المحضة إليه تعالى‏ ؛ إذ لا وجود حقيقيّ لها أصلاً ، وإنّما وجودها وثبوتها ثبوت اعتباريّ لا يتعدّى‏ ظرف الاعتبار والوضع وحيطة الفرض ؛ وما يشتمل عليه الشّريعة من الأمر والنّهي والأحكام والأوضاع كلّها اُمورٌ اعتباريّة، فيشكل نسبتها إليه تعالى‏ ، وكذا أمثال الملك والعزّ والرزق وغير ذلك.

1.الأنعام : ۱۵۳ .

2.آل عمران : ۶۴ .

3.الميزان في تفسير القرآن : ۳/۱۴۴ و ۱۴۹ .

الصفحه من 16