ويشهد به ما نشاهده من تنازع الحيوان فيما حازه من عشّ أو كنّ أو وكر أو ما اصطاده أو وجده ممّا يتغذّى به أو ما ألفه من زوج ونحو ذلك ، وما نشاهده من تشاجر الأطفال فيما حازوه من غذاء ونحوه ، حتَّى الرّضيع يشاجر الرّضيع على الثّدي . ثمّ إنّ ورود الإنسان في ساحة الاجتماع بحكم فطرته وقضاء غريزته لا يستحكم به إلّا ما أدركه بأصل الفطرة إجمالاً ، ولا يوجب إلّا إصلاح ما كان وضعه أوّلاً وترتيبه وتعظيمه في صورة النّواميس الاجتماعيّة الدّائرة ، وعند ذلك يتنوّع الاختصاص الإجماليّ المذكور أنواعاً متفرّقة ذوات أسامٍ مختلفة ؛ فيسمَّى الاختصاص الماليّ بالملك وغيره بالحقّ وغير ذلك .
وهم وإن أمكن أن يختلفوا في تحقّق الملك من جهة أسبابه كالوراثة والبيع والشّراء والغصب بقوّة السلطان وغير ذلك ، أو من جهة الموضوع الّذي هو المالك كالإنسان الذي هو بالغ أو صغير أو عاقل أو سفيه أو فرد أو جماعة إلى غير ذلك من الجهات ، فيزيدوا في بعض وينقصوا من بعض ، ويُثبتوا لبعض وينفوا عن بعض ، لكنّ أصل الملك في الجملة ممّا لا مناص لهم عن اعتباره ، ولذلك نرى أنّ المخالفين للملك يسلبونه عن الفرد وينقلونه إلَى المجتمع أو الدّولة الحاكمة عليهم ، وهم مع ذلك غير قادرين على سلبه عن الفرد من أصله ولن يقدروا على ذلك ، فالحكم فطريّ ، وفي بطلان الفطرة فناء الإنسان .
وسنبحث فيما يتعلّق بهذا الأصل الثّابت من حيث أسبابه كالتّجارة والرّبح والإرث والغنيمة والحيازة ، ومن حيث الموضوع كالبالغ والصّغير وغيرهما في موارد يناسب ذلك إن شاء اللَّه العزيز .۱
1.الميزان في تفسير القرآن : ۲/۵۳ .