وقال بعد تفسير قوله تعالى : (قُلِ اللّهُمّ مالِكَ المُلْكِ ...)۱ في معنَى الملك واعتباره ، مانصّه :
بحث علميّ :
قد تقدّم في بعض مامرّ من الأبحاث السّابقة : أنّ اعتبار أصل المِلْك - بالكسر - من الاعتبارات الضّروريّة الّتي لا غنى للبشر عنها في حال سواء كان منفرداً أو مجتمعاً ، وأنّ أصله ينتهي إلى اعتبار الاختصاص ، فهذا حال المِلْك - بالكسر - .
وأمّا المُلك - بالضَّمّ - وهو السَّلطنة علَى الأفراد فهو أيضاً من الاعتبارات الضروريّة الّتي لا غنى للإنسان عنها ، لكنّ الذي يحتاج إليه ابتداءً هو الاجتماع من حيث تألُّفه من أجزاء كثيرةٍ مختلفة المقاصد متبائنة الإرادات دون الفرد من حيث إنّه فرد ؛ فإنّ الأفراد المجتمعين لتبائن إراداتهم واختلاف مقاصدهم لا يلبثون دون أن يقع الاختلاف بينهم فيتغلّب كلّ علَى الآخرين في أخذ ما بأيديهم ، والتعدّي على حومة حدودهم وهضم حقوقهم ، فيقع الهرج والمرج ، ويصير الاجتماع الذي اتّخذوه وسيلة إلى سعادة الحياة ذريعة إلَى الشّقاء والهلاك ، ويعود الدواء داءاً . ولا سبيل إلى رفع هذه الغائلة الطارية إلّا بجعل قوّة قاهرة على سائر القوى مسيطرة على جميع الأفراد المجتمعين حتّى تعيد القوَى الطاغية المستعلية إلى حاقّ الوسط ، وترفع الدانية المستهلكة إليه أيضاً ، فتتّحد جميع القوى من حيث المستوى ، ثمّ تضع كلّ واحدة منها في محلّها الخاصّ وتعطي كلّ ذي حقّ حقّه .
ولمّا لم تكن الإنسانيّة في حين من الأحيان خالية الذّهن عن فكر الاستخدام - كما مرّ بيانه سالفاً - لم يكن الاجتماعات في الأعصار السالفة خالية عن رجال متغلّبين علَى المُلك مستعلين على سائر الأفراد