المجتمعين ببسط الرقِّيّة والتملّك علَى النفوس والأموال ، وكانت بعض فوائد الملك الّذي ذكرناه - وهو وجود من يمنع عن طغيان بعض الأفراد على بعض - يترتّب على وجود هذا الصّنف من المتغلّبين المستعلين المتظاهرين باسم الملك في الجملة وإن كانوا هم أنفسهم وأعضادهم وجلاوزتهم قوىً طاغية من غير حقّ مَرْضيّ ؛ وذلك لكونهم مضطرّين إلى حفظ الأفراد في حال الذلّة والاضطهاد حتّى لا يتقوّى من يثب على حقوق بعض الأفراد فيثب يوماً عليهم أنفسهم ، كما أنّهم أنفسهم وثبوا على ما في أيدي غيرهم .
وبالجملة : بقاء جلّ الأفراد على حال التّسالم خوفاً من الملوك المسيطرين عليهم كان يصرف النّاس عن الفكر في اعتبار الملك الاجتماعيّ ، وإنّما يشتغلون بحمد سيرة هؤلاء المتغلّبين إذا لم يبلغ تعدّيهم مبلغ جهدهم ، ويتظلّمون ويشتكون إذا بلغ بهم الجهد وحمل عليهم من التّعدّي ما يفوق طاقتهم .
نعم ، ربّما فقدوا بعض هؤلاء المتسمّين بالملوك والرؤساء بهلاك أو قتل أو نحو ذلك ، وأحسّوا بالفتنة والفساد ، وهدّدهم اختلال النَّظم ووقوع الهَرج ، فبادروا إلى تقديم بعض اُولي الطَّول والقوّة منهم وألقَوا إليه زمام الملك ، فصار مَلِكاً يملك أزمّة الاُمور ، ثمّ يعود الأمر على ما كان عليه من التّعدّي والتّحميل .
ولم تزل الاجتماعات على هذه الحال برهة بعد برهة ، حتّى تضجّرت من سوء سير هؤلاء المتسمّين بالملوك في مظالمهم باستبدادهم في الرأي وإطلاقهم فيما يشاؤون ، فوضعت قوانين تعيّن وظائف الحكومة الجارية بين الاُمم وأجبرت الملوك باتّباعها وصار الملك ملكاً مشروطاً بعدما كان مطلقاً ، واتّحد النّاس علَى التّحفّظ على ذلك وكان الملك موروثاً .