ومن الضّروريّ أنّ النّبوّة منذ أقدم عهود ظهورها تدعو النّاس إلَى العدل ، وتمنعهم عن الظّلم ، وتندبهم إلى عبادة اللَّه والتّسليم له ، وتنهاهم عن اتّباع الفراعنة الطّاغين ، والنّماردة المستكبرين المتغلِّبين ، ولم تزل هذه الدّعوة بين الاُمم منذ قرون متراكمة جيلا بعد جيل واُمّة بعد اُمّة، وإن اختلفت بحسب السّعة والضّيق باختلاف الاُمم والأزمنة . ومن المحال أن يلبث مثل هذا العامل القويّ بين الاجتماعات الإنسانيّة قروناً متمادية وهو منعزل عن الأثر خالٍ عن الفعل .
وقد حكَى القرآن الكريم في ذلك شيئاً كثيراً من الوحي المُنزَل علَى الأنبياء عليهم السلام كما حكى عن نوح فيما يشكوه لربّه : (رَبِّ إنّهُم عَصَوْني واتَّبَعُوا مَن لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إلّا خَساراً * ومَكَروا مَكْراً كُبّاراً * وقالوا لاتَذَرُنَّ آلهَتَكُم)۱ ، وكذا ما وقع بينه وبين عظماء قومه من الجدال على ما يحكيه القرآن قال تعالى : (قالوا أنُؤمِنُ لَكَ واتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ * قالَ وَما عِلْمي بِما كانُوا يَعمَلُونَ * إنْ حِسابُهُم إلّا على رَبِّي لَو تَشْعُرونَ)۲ ، وقول هود عليه السلام لقومه : (أتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وتَتَّخِذونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدونَ * وإذا بَطَشْتُم بَطَشْتُم جَبّارينَ)۳ ، وقول صالح عليه السلام لقومه : (فاتَّقوا اللَّهَ وأطيعونِ * ولا تُطيعوا أمْرَ المُسْرِفينَ * الّذينَ يُفْسِدونَ في الأرْضِ ولايُصْلِحونَ)۴...
وأمّا أنّ المُلك - بالضم - من ضروريّات المجتمع الإنسانيّ فيكفي في بيانه أتمَّ بيان قوله تعالى بعد سرد قصّة طالوت : (ولَولا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَفَسَدَتِ الأرضُ ولكِنَّ اللَّهَ ذو فَضْلٍ علَى العالَمينَ)۵ ، وقد مرّ بيان كيفيّة دلالة الآية بوجه عامّ .
وفي القرآن آيات كثيرة تتعرّض للملك والولاية وافتراض الطّاعة ونحو ذلك ، واُخرى تعدّه نعمة وموهبة