على أمْرِهِ)1، وقال : (إنّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ) .2
ومن هنا يظهر أنّ الملائكة موجودات منزّهة في وجودهم عن المادّة الجسمانيّة الّتي هي في معرض الزّوال والفساد والتّغيّر ، ومن شأنها الاستكمال التّدريجيّ الّذي تتوجّه به إلى غايتها ، وربّما صادفت الموانع والآفات فحُرمت الغاية وبطلت دون البلوغ إليها .
ومن هنا يظهر أنّ ما ورد في الرّوايات من صور الملائكة وأشكالهم وهيآتهم الجسمانيّة - كما تقدّم نبذة منها في البحث الروائيّ السّابق - إنّما هو بيان تمثّلاتهم وظهوراتهم للواصفين من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وليس من التّصوّر والتّشكّل في شيء ، ففرق بين التّمثّل والتّشكّل ؛ فتَمثُّل الملَك إنساناً هو ظهوره لمن يشاهده في صورة الإنسان، فهو في ظرف المشاهدة والإدراك ذو صورة الإنسان وشكله ، وفي نفسه والخارج من ظرف الإدراك ملك ذو صورة ملكيّة . وهذا بخلاف التّشكّل والتّصوّر ؛ فإنّه لو تشكّل بشكل الإنسان وتصوّر بصورته صار إنساناً في نفسه من غير فرق بين ظرف الإدراك والخارج عنه ، فهو إنسان في العين والذّهن معاً ، وقد تقدّم كلام في معنَى التّمثّل في تفسير سورة مريم .
ولقد صدّق اللَّه سبحانه ما تقدّم من معنَى التّمثّل في قوله في قصّة المسيح ومريم: (فأرْسَلْنا إلَيها رُوحَنا فتمَثّلَ لَها بَشَراً سَوِيّاً)3 وقد تقدّم تفسيره.
وأمّا ما شاع في الألسن أنّ الملك جسم لطيف يتشكّل بأشكال مختلفة إلّا الكلب والخنزير ، والجنّ جسم لطيف يتشكّل بأشكال مختلفة حتَّى الكلب والخنزير ، فممّا لا دليل عليه من عقل ولا نقل من كتاب أو سنّة معتبرة.
وأمّا ما ادّعاه بعضهم من إجماع المسلمين على ذلك - فمضافاً إلى منعه - لا دليل على حجّيّته في أمثال هذه المسائل الاعتقاديّة .4
1.يوسف : ۲۱ .
2.الطلاق : ۳ .
3.مريم : ۱۷ .
4.الميزان في تفسير القرآن : ۱۷/۱۲ .