ويَومَ يَموتُ فيُعايِنُ الآخِرَةَ وأهلَها ، ويَومَ يُبعَثُ فيَرى أحكاماً لَم يَرَها في دارِ الدُّنيا... .۱
التّفسير :
قوله تعالى : (الّذي خَلَقَ المَوتَ والحَياةَ لِيَبلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزيزُ الغَفورُ)، الحياة كون الشّيء بحيث يشعر ويريد، والموت عدم ذلك ، لكنّ الموت - على مايظهر من تعليم القرآن - انتقال من نشأة من نشآت الحياة إلى نشأة اُخرى كما تقدّم استفادة ذلك من قوله تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ المَوتَ - إلى قولهِ : - فيما لا تَعلمونَ)۲ ، فلا مانع من تعلّق الخلق بالموت كالحياة . على أنّه لو اُخذ عدميّاً كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظّ من الوجود يصحّح تعلّق الخلق به ، كالعمى من البصر والظّلمة من النّور .
وقوله : (لِيَبلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً)، غاية خلقه تعالى الموت والحياة ، والبلاء الامتحان . والمراد أنّ خلقكم هذا النّوع من الخلق - وهو أنّكم تحيَون ثمّ تموتون - خلق مقدّميّ امتحانيّ يمتاز به منكم من هو أحسن عملاً من غيره . ومن المعلوم أنّ الامتحان والتّمييز لايكون إلّا لأمرٍ ما يستقبلكم بعد ذلك، وهو جزاء كلّ بحسب عمله .
وفي الكلام مع ذلك إشارة إلى أنّ المقصود بالذّات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء ، حيث ذكر حسن العمل وامتياز من جاء بأحسنه ؛ فالمحسنون عملاً هم المقصودون بالخلقة، وغيرهم مقصودون لأجلهم .
وقد ذيّل الكلام بقوله : (وهُوَ العَزيزُ الغَفورُ) فهو العزيز لأنّ الملك والقدرة المطلقين له وحده فلا يغلبه غالب ، وما أقدر أحداً على مخالفته إلّا بلاءً وامتحاناً وسينتقم منهم . وهو الغفور لأنّه يعفو عن كثيرٍ من سيّئاتهم في الدّنيا وسيغفر كثيراً منها في الآخرة كما وعد .
1.عيون أخبار الرِّضا : ۱/۲۵۷/۱۱ .
2.الواقعة : ۶۰ و ۶۱ .