النبوّة العامّة - الصفحه 16

وإنّكَ لَتَهدي إلى‏ صِراطٍ مُستَقيمٍ * صِراطِ اللَّهِ‏الّذي لَهُ ما في‏السَّماواتِ وما في الأرضِ ألا إلَى اللَّهِ تَصيرُ الاُمورُ)1والآيات كماترى‏ تنسب الهداية إلَى القرآن وإلَى الرّسول صلى اللَّه عليه وآله في عين أ نّها ترجعها إلى اللَّه سبحانه ، فهو الهادي حقيقةً وغيره سبب ظاهريّ مسخّر لإحياء أمر الهداية .
وقد قيّد تعالى‏ قوله : (يَهدِي بهِ اللَّهُ) بقوله : (مَنِ اتَّبعَ رِضْوانَهُ) ويؤول إلَى اشتراط فعليّة الهداية الإلهيّة باتّباع رضوانه ، فالمراد بالهداية هو الإيصال إلَى المطلوب ، وهو أن يورده اللَّه تعالى‏ سبيلاً من سبل السلام أو جميع السبل أو أكثرها واحداً بعد آخر .
وقد أطلق تعالى‏ السلامَ ، فهو السلامة والتخلّص من كلِّ شقاء يختلّ به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة ، فيوافق ما وصف القرآن الإسلام للَّه والإيمان والتقوى‏ بالفلاح والفوز والأمن ونحو ذلك ، وقد تقدّم في الكلام على‏ قوله تعالى‏ : (اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ)2 في الجزء الأوّل من الكتاب أنّ للَّه سبحانه بحسب اختلاف حال السائرين من عباده سُبُلاً كثيرة تتّحد الجميع في طريق واحد منسوب إليه تعالى‏ يسمّيه في كلامه بالصراط المستقيم ، قال تعالى‏ : (والّذينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنينَ)3 ، وقال تعالى‏ : (وأنّ هذا صِراطِي مُسْتَقيماً فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلهِ) .4 فدلّ على‏ أنّ له سبلاً كثيرة ، لكنّ الجميع تتّحد في الإيصال إلى‏ كرامته تعالى‏ من غير أن تفرّق سالكيها ويبين كلّ سبيل سالكيه عن سالكي غيره من السبل كما هو شأن غير صراطه تعالى‏ من السبل . فمعنَى الآية - واللَّه العالم - : يهدي اللَّه سبحانه ويورد بسبب كتابه أو بسبب نبيّه من اتّبع رضاه سبلاً من شأنها أ نّه يسلَم من سار فيها من شقاء الحياة الدنيا والآخرة ، وكلّ ما تتكدّر به العيشة السعيدة .

1.الشورى‏ : ۵۲ ، ۵۳ .

2.الفاتحة : ۶ .

3.العنكبوت : ۶۹ .

4.الأنعام : ۱۵۳ .

الصفحه من 28