النبوّة الخاصّة - الصفحه 192

والحكمة والتوراة والإنجيل ، ورسولاً إلى‏ بني إسرائيل ذا الآيات البيّنات ، وأنبأها بشأنه وقصّته ، ثمّ نفخ الروح فيها فحملت بها حمل المرأة بولدها (الآيات من آل عمران : 35 - 44) .
ثمّ انتبذت مريم به مكاناً قصيّاً ، فأجاءها المخاض إلى‏ جذع النخلة ، قالت : يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً ، فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريّاً ، وهُزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رُطباً جنيّاً ، فكُلي واشربي وقرّي عيناً فإمّا ترينَّ من البشر أحداً فقولي : إنّي نذرت للرحمن صوماً فلن اُكلّم اليوم إنسيّاً ، فأتت به قومها تحمله (سورة مريم : 20 - 27) . وكان حمله ووضعه وكلامه وسائر شؤون وجوده من سنخ ما عند سائر الأفراد من الإنسان .
فلمّا رآها قومها - والحال هذه - ثاروا عليها بالطعنة واللوم بما يشهد به حال امرأة حملت ووضعت من غير بعل ، وقالوا : يا مريم ، لقد جئت شيئاً فريّاً ! يا اُخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت اُمّك بغيّاً ، فأشارت إليه ، قالوا : كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً ؟! قال : إنّي عبد اللَّه آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً ، وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً ، وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً ، والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم اُبعث حيّاً (سورة مريم آية 27 - 33) ، فكان هذا الكلام منه عليه السلام كبراعة الاستهلال بالنسبة إلى‏ ما سينهض علَى البغي والظلم ، وإحياء شريعة موسى‏ عليه السلام وتقويمه ، وتجديد ما اندرس من معارفه ، وبيان ما اختلفوا فيه من آياته .
ثمّ نشأ عيسى‏ عليه السلام وشبّ وكان هو واُمّه علَى العادة الجارية في الحياة البشريّة : يأكلان ويشربان ، وفيهما ما في سائر الناس من عوارض الوجود إلى‏ آخر ما عاشا .

الصفحه من 262