لا يقطع إلّا في نحو ثلاثة أيّام - وكانوا قد عظم شرّهم وكثر فسادهم - فاستعظم الأمر وهرب إلى ترسيس ، فجاء يافا فوجد سفينة يريد أهلها الذهاب بها إلى ترسيس ، فاستأجر وأعطَى الاُجرة وركب السفينة ، فهاجت ريح عظيمة وكثرت الأمواج وأشرفت السفينة علَى الغرق .
ففزع الملّاحون ورمَوا في البحر بعض الأمتعة لتخفّ السفينة ، وعند ذلك نزل يونس إلى بطن السفينة ونام حتّى علا نَفَسه ، فتقدّم إليه الرئيس فقال له : ما بالك نائماً ؟! قم وادع إلهك لعلّه يخلّصنا ممّا نحن فيه ولا يهلكنا .
وقال بعضهم لبعض : تعالوا نتقارع لنعرف من أصابنا هذا الشرّ بسببه ، فتقارعوا فوقعت القرعة على يونس فقالوا له : أخبِرْنا ماذا عملت ؟ ومن أين جئت ؟ وإلى أين تمضي ؟ ومن أيّ كورة أنت ؟ ومن أيّ شعب أنت ؟ فقال لهم : أنا عبد الربّ إله السماء خالق البرّ والبحر ، وأخبرهم خبره ، فخافوا خوفاً عظيماً وقالوا له : لِمَ صنعت ما صنعت ؟! يلومونه على ذلك .
ثمّ قالوا له : ما نصنع الآن بك ، ليسكن البحر عنّا ؟ فقال : ألقُوني في البحر يسكن ؛ فإنّه من أجلي صار هذا الموج العظيم . فجهد الرجال أن يردّوه إلَى البرّ فلم يستطيعوا ، فأخذوا يونس وألقوه في البحر لنجاة جميع من في السفينة ، فسكن البحر . وأمر اللَّه حوتاً عظيماً فابتلعه ، فبقي في بطنه ثلاثة أيّام وثلاث ليال ، وصلّى في بطنه إلى ربّه واستغاث به ، فأمر سبحانه الحوت فألقاه إلَى اليَبس ، ثمّ قال له : قم وامض إلى نينوى ونادِ في أهلها كما أمرتك من قبل .
فمضى عليه السلام ونادى وقال : يخسف نينوى بعد ثلاثة أيّام ، فآمنت رجال نينوى باللَّه ونادَوا بالصّيام ، ولبسوا المسوح جميعاً . ووصل الخبر إلَى الملك ، فقام عن كرسيّه ، ونزع حلّته ، ولبس مسحاً ، وجلس علَى الرماد ، ونودي أن لا يذق أحد من الناس