النبوّة الخاصّة - الصفحه 247

ولَقد كانَ يُجاوِرُ في كلِّ سَنَةٍ بحِراءَ (حَرّاءَ) ، فأراهُ ، ولا يَراهُ غَيري .
ولَم يَجمَعْ بَيتٌ واحِدٌ يَومئذٍ في الإسلامِ غَيرَ رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وخَديجَةَ وأنا ثالِثُهُما ، أرى‏ نُورَ الوَحيِ والرِّسالَةِ ، وأشَمُّ رِيحَ النُّبُوّةِ .
ولَقد سَمِعتُ رَنَّةَ (رَنةَ) الشَّيطانِ حِينَ نَزَلَ الوَحيُ علَيهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ، ما هذهِ الرَّنَّةُ ؟ فقالَ : هذا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ ، إنّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ وتَرى‏ ما أرى‏ ، إلّا أنّكَ لَستَ بِنَبيِّ ، ولكِنّكَ لَوزيرٌ ، وإنّكَ لَعلى‏ خَيرٍ .
ولَقد كُنتُ مَعهُ صلى اللَّه عليه وآله لَمّا أتاهُ المَلأُ مِن قُرَيشٍ فقالوا لَهُ : يا محمّدُ ، إنّكَ قدِ ادَّعَيتَ عَظيماً لَم يَدَّعِهِ آباؤكَ ولا أحَدٌ مِن بَيتِكَ ، ونحنُ نَسألُكَ أمراً إن أنتَ أجَبتَنا إلَيهِ وأرَيتَناهُ عَلِمنا أنّكَ نَبيٌّ ورسولٌ ، وإن لَم تَفعَلْ عَلِمنا أنّكَ ساحِرٌ كذّابٌ . فقالَ صلى اللَّه عليه وآله : وما تَسألونَ ؟ قالوا : تَدعو لَنا هذهِ الشَّجَرَةَ حتّى‏ تَنقَلِعَ بِعُروقِها وتَقِفَ بينَ يدَيكَ ، فقالَ صلى اللَّه عليه وآله : إنّ اللَّهَ على‏ كُلِّ شي‏ءٍ قَديرٌ ، فإن فَعلَ اللَّهُ لَكُم ذلكَ أتُؤمنونَ وتَشهَدونَ بالحَقِّ ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : فإنّي ساُريكُم ما تَطلُبونَ ، وإنّي لَأعلَمُ أنّكُم لا تَفيئونَ إلى‏ خَيرٍ ، وإنّ فيكُم مَن يُطرَحُ في القَليبِ ، ومَن يُحَزِّبُ الأحزابَ . ثُمّ قالَ صلى اللَّه عليه وآله : يا أيّتُها الشَّجَرَةُ إن كُنتِ تُؤمنينَ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ ، وتَعلَمينَ أنّي رسولُ اللَّهِ ، فانقَلِعي بِعُروقِكِ حتّى‏ تَقِفي بينَ يَدَيَّ بإذنِ اللَّهِ . فَوَالّذي بَعَثَهُ بالحَقِّ لَانقَلَعَت بِعُروقِها ، وجاءَت ولَها دَوِيٌّ شَديدٌ ، وقَصفٌ كقَصفِ أجنِحَةِ الطَّيرِ ، حتّى‏ وَقَفَت بينَ يَدَي رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مُرَفرِفَةً ، وألقَت بِغُصنِها الأعلى‏ على‏ رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وببَعضِ أغصانِها على‏ مَنكِبي ، وكنتُ عن يَمينِهِ صلى اللَّه عليه وآله . فلَمّا نَظَرَ القَومُ إلى‏ ذلكَ قالوا - عُلُوّاً واستِكباراً - : فمُرْها فلْيَأتِكَ نِصفُها ويَبقى‏ نِصفُها ، فأمَرَها بذلكَ ، فأقبَلَ إلَيهِ نِصفُها كأعجَبِ إقبالٍ وأشَدِّهِ دَوِيّاً ، فكادَت تَلتَفُّ برسولِ

الصفحه من 262