النبوّة الخاصّة - الصفحه 49

اللَّه سبحانه واتّباعه ، حتّى يهديه إلى‏ مستقيم الصراط ، ويبعده من ولاية الشيطان . ولم يزل يحاجّه ويلحّ عليه حتّى‏ زبره وطرده عن نفسه ، وأوعده أن يرجمه إن لم ينتهِ عن ذكر آلهته بسوء والرغبة عنها ، فتلطّف إبراهيم عليه السلام إرفاقاً به وحناناً عليه - وقد كان ذا خُلق كريم وقول مرضيّ - فسلّم عليه ووعده أن يستغفر له ويعتزله وقومه وما يعبدون من دون اللَّه (مريم : 41 - 48) .
وقد كان من جانب آخر يحاجّ القوم في أمر الأصنام (الأنبياء : 51 - 56 ، الشعراء : 69 - 77 ، الصافّات : 83 - 87) ويحاجّ أقواماً آخرين منهم يعبدون الشمس والقمر والكوكب في أمرها حتّى‏ ألزمهم الحقّ ، وشاع خبره في الانحراف عن الأصنام والآلهة (الأنعام : 74 - 82) حتّى‏ خرج القوم ذات يوم إلى‏ عبادةٍ جامعة خارجَ البلد واعتلّ هو بالسقم فلم يخرج معهم وتخلّف عنهم، فدخل بيت الأصنام فراغ على‏ آلهتهم ضرباً باليمين فجعلهم جُذاذاً إلّا كبيراً لهم لعلّهم إليه يرجعون ، فلمّا تراجعوا وعلموا بما حدث بآلهتهم وفتّشوا عمّن ارتكب ذلك قالوا : سمعنا فتىً يذكرهم يقال له : إبراهيم .
فأحضروه إلى‏ مجمعهم فأتوا به على‏ أعين الناس لعلّهم يشهدون ، فاستنطقوه فقالوا : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ قال : بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ، وقد كان أبقى‏ كبيرَ الأصنام ولم يجذّه ووضع الفأس على عاتقه أو ما يقرب من ذلك ؛ ليشهد الحال على‏ أ نّه هو الذي كسر سائر الأصنام .
وإنّما قال عليه السلام ذلك وهو يعلم أ نّهم لا يصدّقونه على‏ ذلك وهم يعلمون أ نّه جماد لايقدر على‏ ذلك ، لكنّه قال ما قال ليعقّبه بقوله : فاسألوهم إن كانوا ينطقون ، حتّى‏ يعترفوا بصريح القول بأنّهم جمادات لا حياة لهم ولا شعور . ولذلك لمّا سمعوا قوله رجعوا إلى‏

الصفحه من 262