في نَفسي : هذا وَليٌّ مِن أولياءِ اللَّهِ مَتى ما أحَسَّ بحَرَكَتي خَشِيتُ نِفارَهُ وأن أمنَعَهُ عَن كَثيرٍ مِمّا يُريدُ فِعالَهُ ، فأخفَيتُ نَفسي ما استَطَعتُ ، فدَنا إلَى المَوضِعِ فتَهَيّأَ للصَّلاةِ ، ثُمّ وَثَبَ قائماً وهُو يقولُ : يا مَن أحارَ۱ كُلَّ شيءٍ مَلَكوتاً ، وقَهَرَ كُلَّ شيءٍ جَبَروتاً ، أ[وْ] لِجْ قَلبي فَرَحَ الإقبالِ علَيكَ ، وألحِقْني بمَيدانِ المُطيعينَ لَكَ .
قالَ : ثُمّ دَخَلَ في الصَّلاةِ ، فلَمّا أن رأيتُهُ قَد هَدَأت أعضاؤهُ وسَكَنَت حَرَكاتُهُ ، قُمتُ إلَى المَوضِعِ الّذي تَهَيّأ مِنهُ للصَّلاةِ فإذا بعَينٍ تَفيضُ بماءٍ أبيَضَ ، فتَهَيّأتُ للصَّلاةِ ثُمّ قُمتُ خَلفَهُ ، فإذا أنا بمِحرابٍ كأ نَّهُ مُثِّلَ في ذلكَ المَوقِفِ ! فرَأيتُهُ كُلَّما مَرَّ بآيَةٍ فيها ذِكرُ الوَعدِ والوَعيدِ يُرَدِّدُها بأشجانِ الحَنينِ ، فلَمّا أن تَقَشَّعَ الظَّلامُ وَثَبَ قائماً وهُو يقولُ : يا مَن قَصَدَهُ الطّالِبونَ فأصابُوهُ مُرشِداً ، وأمَّهُ الخائفونَ فوَجَدوهُ مُتَفَضِّلاً ، ولَجأ إلَيهِ العابِدونَ فوَجَدوهُ نَوّالاً .
فخِفتُ أن يَفوتَني شَخصُهُ ، وأن يَخفى علَيَّ أثَرُهُ ، فتَعَلَّقتُ بهِ ، فقُلتُ لَهُ : بالّذي أسقَطَ عنكَ مَلالَ التَّعَبِ ، ومَنَحَكَ شِدَّةَ شَوقِ لَذيذِ الرَّعَبِ۲، إلّا ألحَقْتَني مِنكَ جَناحَ رَحمَةٍ ، وكَنَفَ۳ رِقَّةٍ ! فإنّي ضالٌّ ، وبِعَيني كُلُّ ما صَنَعتَ ، وباُذُني كُلُّ ما نَطَقتَ ، فقالَ : لَو صَدَقَ تَوَكُّلُكَ ما كُنتَ ضالّاً ، ولكنِ اتَّبِعْني واقْفُ أثَري ، فلَمّا أن صارَ تَحتَ الشَّجَرَةِ أخَذَ بِيَدي فتُخُيِّلَ إلَيَّ أنّ الأرضَ تُمَدُّ مِن تَحتِ قَدَمَيَّ ، فلَمّا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ قالَ لي : أبشِرْ فهذهِ مَكّةُ . قالَ : فسَمِعتُ الصَّيحَةَ ورَأيتُ المَحَجَّةَ ، فقُلتُ : بالّذي تَرجوهُ يَومَ الآزِفَةِ ويَومَ الفاقَةِ ، مَن أنتَ ؟ فقالَ لي : أمّا إذا أقسَمتَ علَيَّ فأنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، صلَواتُ اللَّهِ علَيهِم .۴
۲۰۱۰۸.بحار الأنوار عن طاووسِ الفَقيهِ : رَأيتُهُ [أي الإمامَ زينَ العابدينَ عليه السلام] وهُو
1.في المناقب لابن شهرآشوب : ۴ / ۱۴۲ «حازَ» .
2.في المناقب لابن شهرآشوب : «الرّهب» .
3.الكَنَف : الجانب والناحية ، وكنف اللَّه : كَلاءته و حِرزه و حفظه . (لسان العرب : ۹ / ۳۰۸).
4.فتح الأبواب : ۲۴۶ .