وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة (إکنا) أنه توقعت أن أفتح المصحف، فلا أجد بعض السور کما تردد أو أن هناک سورة تسمى سورة "الولایة" تثبت أحقیة علی بن أبی طالب(ع) فى خلافة المسلمین عقب وفاة النبى محمد(ص)، أو تبدیل کلمات مکان کلمات فی آیات معینة أو وضع آیات مکان آیات أخرى فی بعض السور.
فبعض مواقع الإنترنت تردد هذا وتحدد مواقع التحریف، مستغلة تلک العزلة المریبة لإیران وعدم إمکانیة نفی أو إثبات ذلک، بسبب تلک العزلة من جانب وبسبب الخصومات السیاسیة والمذهبیة من جانب آخر وهی خصومات یدفعها التعصب إلى حد المساس بالمقدسات فی خضم هذه المعارک التى لا یخسر فیها إلا جمیع الأطراف.
ولکن هل یکفی الوقت لتفحص کل نسخ المصاحف فی المصلى؟!.
السؤال بدا سؤالاً عبثیاً لا معنى له، فلا معنى ولا فائدة من إخفاء مصحف فاطمة المزعوم، فإن کان الشیعة لدیهم معتقد بأن مصحف فاطمة المزعوم هذا، هو المصحف الحقیقی، فما الذی یخافونه من إظهاره وطبعه وتوزیعه على المساجد والزوایا التى تسمى بالحسینیات؟!.
وفی کل مسجد فی الطرق أو بجوار الفندق الذی أقمت فیه فی طهران أو فی أصبهان بالإضافة إلى النسخة الموجودة فی الغرفة، فکنت أرکض رکضاً بعینی على السور والآیات، فلا أجد أثراً لفرق اللهم إلا فی وجود الترجمة الفارسیة التى یضعونها تحت الآیات فی بعض المصاحف.
والوارد عن هذا المصحف المزعوم مضطرب وغیر دقیق وتغلب على نقل روایاته روح التعصب الذمیم وتلمس نشر الفتنة والعداء بین طوائف المسلمین الغالب علیها الانقسام.
فمن قائل إن مصحف فاطمة لیس فیه من القرآن شیء وأنه یبلغ ثلاثة أضعاف المصحف الذی بین أیدینا أو قائل بأنه محفوظ لدى الملائکة وهو غیر القرآن أیضاً شکلاً وتفصیلاً، أو أنه بحوزة الأئمة وفیه أسماء من سیحکمون المسلمین إلى یوم القیامة، أو مدع أن المصحف نزل به جبریل علیه السلام على السیدة فاطمة(سلام الله علیها) بعد وفاة أبیها (صلى الله علیه وآله وسلم) لیعزیها فی وفاته.
وکل هذه روایات غیر موثقة ولا تقف أمام البحث العلمی فی الروایات متناً وسنداً کما لم یقل بوجوب الاعتقاد به أو بالآیات المزعومة فیه غیر فرق الغلاة من الشیعة، على سنة الغلو فی کل مذهب فی کل مکان وزمان.
ولکن المنتشر بین أوساط عوام المسلمین ویدعمه بعض المنتسبین للسلفیة فی مصر، هو أن المصاحف فی إیران جمیعها أو غالبیتها محرفة، وفی غمرة تعصبهم لا یدرکون خطورة هذا القول بإقرارهم وهو لا یشعرون، بتمکن طائفة ما من تحدى الوعد الإلهی بحفظ القرآن من التحریف بأی شکل من الأشکال ونشره بین الناس دون أن یقف له أحد أو یکتشفه أحد.
تماماً کما رددوا بأن الشیعة یعتقدون بأن الامام علی بن أبی طالب(ع) هو الأحق بالنبوة وأن أمین الوحی جبریل علیه السلام أخطأ ونزل على محمد صلى الله علیه وآله وسلم وهو قول فرقة من غلاة الشیعة وقد انقرضت ولم یعد لها أتباع وهی کانت قلیلة العدد وشبه معدومة.
کما کان بعض أتباع الإخوان المسلمین فی مصر یرددون فی حملاتهم لشحن الرأی العام فی مصر وبعض الدول العربیة ضد بشار الأسد، بأن الشیعة تعتقد بألوهیة على بن أبی طالب(ع) وأنهم یعتقدون أن صوته هو الرعد إلى آخر هذه الترهات التى حولت الخلافات السیاسیة بین أهل الإسلام إلى خلافات دینیة وصراعات دامیة انتهت بنا إلى ما نحن فیه الآن.
لکن أکثر ما لفت انتباهی هو أن المصاحف مکتوبة بالخط العثمانی المعتمد فی کتابة المصحف الإمام وهو المصحف الذی نجده بین أیدینا فی مصر ونراه فی الحرمین الشریفین فی مکة المکرمة والمدینة المنورة، بل إن کثیراً من المصاحف اعتمدت طبعات اللجان المختصة بمراجعة طباعة المصحف الشریف ومن بین أعضائها ممثلون عن الأزهر الشریف فی مصر.
وعندما توجهت لزیارة المنزل الذی قضى فیه الامام الخمینی(رض) أیامه الأخیرة فی منزل فی منطقة تسمى "جمران" فی شمال طهران، استجابة منه لنصیحة الأطباء بالذهاب للعیش فی منطقة جبلیة جیدة الهواء، فالذی فاجأنى هناک إلى درجة الذهول، هو هذا المصحف من الحجم الکبیر الذی التقطته من مکتبة الحسینیة الملاصقة لمقر الامام الخمینی(رض) وسارعت بقراءة التعریف به واعتماد طباعته من جانب الجهات التقلیدیة فی العالم الإسلامی التى تعتمد الطباعة والمراجعة، فإذا بالتعریف یذکر أن الخط المکتوب به المصحف هو الخط المأثور عن عثمان بن عفان.
والأمر لم یقف عند هذا فعند زیارة مرقد الامام الخمینی(رض) عاودتنى هواجسی مرة أخرى فرحت أقلب فی المصاحف مراجعاً المواضع نفسها فی أکثر من رکن من أرکان المسجد الملاصق للمرقد.
حقاً کان هناک من الممارسات التى یأتى بها الزائرون ما یثیر حنق أی مسلم یرى فی المبالغة فی تبجیل أی شخص إلى درجة التقدیس إثماً عظیماً، لکن هذه الممارسات لا تزید عما نراه فی مساجد الأولیاء وآل البیت(علیهم السلام) عندنا فی مصر وکل المزارات الدینیة فی العالم کله لا تخلو من ممارسات متجاوزة من مغالین أو جهلة دون النظر لمذهب أو عقیدة.
فما الأمر إذن ولماذا نرى محاولات بث الشقاق بین السنة والشیعة، تشتد هذه الأیام إلى درجة التحریض علناً وما شهدناه من أئمة السلفیة فی مصر وهم یحرضون رئیس الجمهوریة الأسبق المنتمی لجماعة الإخوان ضد الشیعة، بالرغم من أن الشیعة فی مصر لا یشکلون ما یمکن تسمیته الأقلیة؟.
ألم نر ابنة ملک مصر "فوزیة" زوجة لولی عهد إیران وکادت تکون إمبراطورة أو أماً لوریث عرش الطاووس، لولا الطلاق الذی صدم الجماهیر فی مصر، نفس تلک الجماهیر التى غمرتها الفرحة عند سماعها نبأ الزواج السعید ولم یعترض عالم ولا جاهل فی مصر أو إیران على هذا الزواج أو قال إن الزوج شیعی والزوجة سنیة!
لکن إحیاء الحدیث عن الخلافات بین الشیعة الاثنا عشریة وهم غالبیة الشیعة فی العالم الإسلامی وبین أهل السنة بنشر الشائعات والأکاذیب على کثیر من مواقع الإنترنت والقنوات الفضائیة والصحف، لهو محاولة خبیثة ومکشوفة لبث الفتنة ولا تقل هذه المحاولة خطراً عن الفتنة بین المسلمین والمسیحیین فی الشرق.
ولکن هذا الکلام المتعلق بتحریف القرآن أخطر من أی شیء آخر وضرب فی صمیم العقیدة وقد بدأ یتردد فی همس بعد الغزو الأمریکی للعراق، ثم ما لبث أن ارتفعت به النبرة حتى صدحت به المنابر یردده أئمة ینسون أو یتناسون بأن الطعن فی القرآن بتحقق إمکانیة تحریفه هو طعن فی صمیم العقیدة الإسلامیة، لأنه لا یکتمل إیمان المسلم إلا بأن یوقن بأن هذا القرآن الذی نقرأه بین أیدینا، هو الکتاب المنزل من عند الله لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه.
إذن فوجود کتاب یطلق علیه القرآن فی أی مکان فی الأرض ولا یطابق القرآن المنزل، هو تحریف متعمد وأن النجاح فی نشر هذا التحریف واعتماده من جانب طائفة من المسلمین، یناقض ما وعد الله عز وجل بحفظ القرآن کاملاً غیر منقوص، کما أنزل على محمد رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) ومن ثم، فإن وجود مصحف یعترف به عشرات الملایین من المسلمین، ویقر آخرون على غیر مذهبهم بأن التحریف قد مسه، لهو إقرار لما یریده ویخطط له أعداء العقیدة الإسلامیة بأن التحریف قد وقع فی کتاب تعهد الله بحفظه!
وکثیر من أئمة غلاة الشیعة، رددوا کلاماً فی کتب متناثرة لهم ما یفید بتحریف بعض السور وهو کلام لم یقم علیه أی دلیل وکان مجرد تعبیر عن تعصب فرق الغلاة وهم مرفوضون من الشیعة، لکن لم یظهر للعلن حتى الآن على الأقل، کتاب مدون على جلدته "مصحف فاطمة" إذا لا یوجد غیر قرآن واحد نزل على محمد(ص) وجمعه الخلیفة الأول "أبو بکر الصدیق" باقتراح من "عمر بن الخطاب" الذی صار الخلیفة الثانی وخطت نسخ منه على عهد الخلیفة الثالث "عثمان بن عفان" وحکم به الامام على بن أبی طالب(ع) طوال عهد خلافته البالغة أربعة أعوام، تفرق بعدها المسلمون شیعاً وأحزاباً مختلفین فقهاً وسیاسةً، بینما بقى المصحف واحداً لم یجرؤ على مسه أحد على کثرة من یحاولون هدم هذه العقیدة.