الشواهدالشعرية ومناسباتهافي الكتب الأربعة الحديثيّة - الصفحه 105

قال الله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء اً طهوراً۱ فكلّ ماءٍ نزل من السماء أو نبع من الأرض، عذباً كان أو ملحاً، فإنّه طاهر مطهّر إلا أن ينجّسه شي ءٌ يتغيّر به حكمه.
وجه الدلالة من الآية أنّ الله تعالى قال: وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً فأطلق على ما وقع اسم الماء عليه بأنّه طهور، والطهور هو المطهّر في لغة العرب، فيجب أن يعتبر كلّما يقع عليه اسم الماء بأنّه طاهرٌ مطهّر إلا ما قام الدليل على تغيير حكمه.
وليس لأحدٍ أن يقول إنّ الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهّراً، لأنّ هذا خلاف على أهل اللغة، لأنّهم لا يفرقون بين قول القال: هذا ماء طهور، وهذا ماء مطهّر.
فإن قال قائل: كيف يكون الطهور هو المطهّر، واسم الفاعل منه غير متعدٍ، وكلّ (فعول) ورد في كلام العرب متعدياً، لم يكن متعدّياً إلا وفاعله متعدٍّ، فإذا كان فاعله غير متعدٍّ ينبغي أن يحكم بأن فعوله غير متعدٍ أيضاً، ألا ترى أنّ قولهم (ضروب) إنّما كان متعدّياً لأنّ الضارب منه متعدٍّ، وإذا كان اسم الطاهر غير متعدٍ يجب أن يكون الطهور أيضاً غير متعدٍ؟
قيل له: هذا كلام من لم يفهم معاني الألفاظ العربية، وذلك أنّه لا خلاف بين أهل النحو أنّ اسم الفعول موضوع للمبالغة وتكرّر الصفة، ألا ترى أنّهم يقولون: فلان ضارب، ثمّ يقولون: ضروب، إذا تكرّر منه ذلك وكثر، وإذا كان كون الماء طاهراً ليس ممّا يتكرّر ويتزايد، فينبغي أن يعتبر في إطلاق الطهور عليه غير ذلك، وليس بعد ذلك إلا أنّه مطهّر، ولو حملناه على ما حملنا عليه لفظة (الفاعل) لم يكن فيه زيادة فائدة، وهذا فاسد.

1.سورة الفرقان: ۲۵ / ۴۸.

الصفحه من 120