الشواهدالشعرية ومناسباتهافي الكتب الأربعة الحديثيّة - الصفحه 18

هذا مع أنّ تدوين الحديث كان على أصل الإباحة في زمان الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله كما تدلّ عليه سيرته القولية والعملية، وكان أمراً مألوفاً يزاوله بعض القادرين عليه من الصحابة.
ولا ريب أنّ منع تدوين الحديث كان من أخطر المعاول الهدّامة في صرح التراث الثقافي للأمّة، ذلك لأنّه يوجّه إلى ثاني أعمدة التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، ولأنّه تسبّب في بعض الآثار السيّئة التي تركت بصماتها على رحاب الحديث الشريف إلى اليوم ، ومنها ضياع بعض سنّة الرسول صلّى الله عليه و آله وتراثه الفكري الوضّاء، وتهيئة الفرصة والأجواء المناسبة للوضع والاختلاق والتشكيك بالحديث.
والوقوف على أسباب هذا الإجراء الخطير يستدعي دراسة تاريخ الحديث النبوي الشريف من حيث تدوينه وطرق تحمّله ودرايته وسائر العلوم المتّصلة به، وهو أمر يخرج بنا عن أصل البحث ، ويتعذّر في مثل هذه الوقفة الموجزة ، وقد توفّرت مزيد من الدراسات على بحثه في ضوء المنهج العلمي القويم وميزان النقد النزيه ۱ .
واستمرّ واقع الحال على المنع إلى رأس المائة الهجرية الأولى حيث رفع الحظر عن تدوين الحديث وروايته في زمان عمر بن عبدالعزيز ت 101 هـ ، واقترن ذلك بالكفّ عن سبّ أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي عليه السّلام من على منابر بني أُمّية، اقتراناً يميط اللثام عن الأهداف السياسية الكامنة وراء المنع من التدوين.
وعليه فإنّ الروايه بالمعنى تقع على عاتق المانعين من تدوين الحديث بالدرجة الأولى، إذ الفترة غير اليسيرة بين صدور الرواية وعصر تدوينها، يجعل منها عرضة

1.راجع تدوين السنّة الشريفة / السيد محمد رضا الحسيني الجلالي: ۴۱۰ ـ ۴۲۲، تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي / صائب عبدالحميد: ۳۵۳ ـ ۳۸۲.

الصفحه من 120