الشواهدالشعرية ومناسباتهافي الكتب الأربعة الحديثيّة - الصفحه 19

لاختلاف اللفظ بسبب وهم الرواة أو نسيانهم، ولهذا أجاز علماء الحديث روايته بالمعنى ضمن شروط خاصّة، فكان ذلك مبرّراً للتشكيك في حجيّة الحديث الشريف لإثبات قواعد النحو العربي، دفع النحاة المتقدّمين إلى الإنصراف للرواية عن الأعراب ولما يزوَّدهم به رواة الأشعار، إنصرافاً استغرق كلّ جهودهم ولم يبق منهم لرواية الحديث ودراسته أدنى بقية.
وقد هيّأت سلطة الخلافة بعد الرسول صلّى الله عليه و آله الأرضية لذلك الإنصراف ، فبعد منعها تدوين الحديث وروايته، دعت إلى تعلّم الشعر وجمعه والاهتمام به، فقد كتب عمر بن الخطّاب رسالة إلى أبي موسى الأشعري عامله على البصرة طلب فيها أن يأمر مَن قبله مِن الناس برواية الشعر لأنّه يدلّ على معالي الأخلاق ۱ ، وكتب اُخرى إلى المغيرة بن شعبة عامله على الكوفة وطلب فيها أن يدعو مَن قبله مِن الشعراء ويستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والإسلام ۲ .
وممّا تقدّم تبيّن أنّه لو استمرّ تدوين الحديث وروايته على ما كان عليه في عهد رسول الله صلّى الله عليه و آله لكان الباب أضيق بكثير على جواز الرواية بالمعنى، ولمّا تمسّك النحاة بتلك الذريعة الواهية التي تسبّبت في إبعاد حديث أفصح من نطق بالضاد عن الدراسات النحوية والصرفية المتقّدمة، والتفريط بثروة لغوية كبيرة من الكلام النبوي البليغ.
وقد عبّر بعض أعلام الأمّة ، وبدافع الحرص على تراثها الثقافي ، عن لوعتهم ونقدهم لهذه الظاهرة المُدانَة، وكان على رأسهم شيخ الطائفة الطوسي ت 460 هــ ، حيث قال في مقدّمة تفسيره (التبيان): ومن طرائف الأمور أنّ المخالف إذا ورد عليه شعر مَن ذكرناه ۳ ومن هو دونهم، سكنت نفسه واطمأنّ قلبه، وهو لا يرضى بقول

1.كنز العمال۱۰: ۳۰۰ / ۲۹۵۱۰.

2.كنز العمال۳: ۸۵۰ / ۸۹۳۵.

3.أي الشعراء الذين تقدّموا في كلامه كالنابغة الجعدي وكعب بن زهير وغيرهما.

الصفحه من 120