الشواهدالشعرية ومناسباتهافي الكتب الأربعة الحديثيّة - الصفحه 24

ومن هؤلاء حماد الراوية الذي كان يلحن ۱ ويكسر الشعر ويصحّفه ۲ ، وكان هو وخلف الأحمر معروفين بانتحال الشعر، فقد كانا يضعان الشعر ويدسّانه في أشعار المتقدّمين، ومع ذلك فقد أخذ عنهما نحاة البصرة والكوفة ۳ .
ومن ثمّ فإنّ وجود الرواة العرب الأقحاح من الرعيل الأوّل دون غيرهم في كمٍ هائل من الأسانيد الموصلة إلى مَعين الحديث وأصله الشريف، يؤكّد وضوح فساد تلك العلّة، فمن غير المعقول أن لا يعلم النحاة بكلّ هذا في الوقت الذي أقتبسوا فيه المنهج السندي وللمحدّثين في دراساتهم اللغوية والنحوية.
ومن هنا يمكن القول بأنّ الذرائع التي نسبها متأخّرو النحاة لمتقدّميهم بشأن عدم احتجاجهم بالحديث الشريف، واهية لا تصمد أمام النقد العلمي، ولا يمكن أن نعتمدها في بيان سرّ إعراضهم عن الحديث الشريف في مجال استشهاداتهم اللغوية والنحوية .
والسبب الذي نراه وراء حصر احتجاجاتهم بشعر العرب ونثرهم، إنّما هو يصبّ في خدمة الشريعة الغرّاء قرآناً كانت أو سنّةً ، ويمكن توضيحه من خلال معرفة الغرض الحقيقي الكامن خلف سعي النحاة واللغويين الدؤوب في تتبّع ما يصحّ الاستدلال به من شعر العرب ونثرهم، إذ لا يمكن أن يكون عبثاً أو لهواً، وعليه لابدّ أن يكون الغرض عظيماً يفوق الجهود المضنية المبذولة في تتبّع ما قاله العرب الأقحاح شعراً ونثراً.
ولا يمكن أن يقال إنّ الغرض هو صيانة اللغة العربية من الضياع بعد أن شابها ما شابها من مزيج مختلط، ذلك لوجود الحارس الأمين الخالد على تلك اللغة وهو

1.فهرست ابن النديم : ۱۳۴ .

2.المزهر / السيوطي ۲ : ۴۰۶ ، مراتب النحويين / أبو الطيب اللغوي : ۷۳ ، أعلام الزركلي ۲ : ۲۷۲ .

3.الأغاني / أبوالفرج ۶ : ۸۹ ـ ۹۲ ، الشعر والشعراء / ابن قتيبة : ۵۳۶ ، الفهرست / ابن النديم : ۷۴ ، المزهر / السيوطي ۱ : ۱۷۶ ـ ۱۷۷ و۲ : ۴۰۳ ، مراتب النحويين / أبوالطيب اللغوي : ۴۶ .

الصفحه من 120