الشواهدالشعرية ومناسباتهافي الكتب الأربعة الحديثيّة - الصفحه 25

القرآن الكريم بسوره وآياته وألفاظه وحروفه التي لا ولن يعتريها تبديل أو تغيير أو نقص أو زيادة.
ومع هذا لا ينكر ما تضمّنه القرآن الكريم من لغات العرب الفصحى وإن نزل بلغة قريش، كما لا ينكر ما فيه من مفردات لغوية تتّسع لأكثر من معنى، وتراكيب إعرابية تحتمل أكثر من تأويل، ولهذا اختلف الصحابة أنفسهم في الكشف عن معاني بعض الآيات القرآنية، وكان اختلاف التابعين بعدهم أكثر، ونظرة واحدة إلى تفسير الطبري تكشف عن هذا الاختلاف بكلّ وضوح.
وأمّا عن الحديث الشريف، فإنّ كثيراً منه قد صدر بلفظه عمّن هو أفصح من نطق بالضاد رسول الله صلّى الله عليه و آله ، وقد تضمّن من المفردات الفصيحة التي صارت فيما بعد محلاً للنزاع على مستوى العقيدة والأحكام، لانطباقها على أكثر من معنى ، ومن هنا برز النحاة ليضعوا ـ ما استطاعوا ـ حدّاً فاصلاً لتلك الاجتهادات التفسيرية ، لكي تحرس الشريعة ويسهل فهمها على الآخرين خصوصاً وأنّ الغرض الأساس الذي اندفع نحوه رائد النحو الأوّل أمير المؤمنين عليه السّلام وبعده تلميذه الدؤلي كان لخدمة القرآن الكريم وتسهيل نطقه كما أُنزل وفهمه كما أُريد.
وإذا صحّ هذا الغرض كما نراه، تبيّن السرّ في لجوئهم إلى نثر العرب وشعرهم دون نصوص الشريعة الغرّاء التي بذلوا الجهد في حراستها عن طريق أفصح لغاتها، بمعنى أنّهم أرادوا الدفاع عن نصوص الشريعة وحراسة وتسهيل فهمها من طرق اُخرى هي محلّ اتّفاق الناطقين بالضاد، والدفاع عن الشي ء لا يكون بالشي ء نفسه.
وهذا هو اللائق بمقام الصفوة من النحاة المؤمنين الأوائل ، ولا يمكن القول إنّ عدم استدلالهم بالحديث يعني أنّهم لا يجيزون ذلك، أو أنّهم يفضّلون غيره عليه في هذا المجال.
وهو لا يمنع من وجود فئةٍ من النحاة المتقدّمين من الذين لم يتعاطوا علم الحديث ولم يمارسوه، فاستسهلوا الشعر واستصعبوا الحديث، لما يتطلّبه من إحاطة

الصفحه من 120