قد وقذته الحكمة ، أعرف ذلك في أسارير وجهه ، وإن لم أحط علماً بكنهه .
قلت: ومَنْ هو؟ قالوا هذا سلمان الفارسي ، ذو البرهان العظيم ، والشأن القديم.
فقال سلمان : كيف عرفته يا أخا عبدالقيس من قبل إتيانه ، فأقبلت على رسول الله صلّى الله عليه و آله وهو يتلألأ ويشرق وجهه نوراً وسروراً . فقلت : يا رسول الله ، إن قسّاً كان ينتظر زمانك ويتوكّف إبّانك ۱ ، ويهتف باسمك واسم أبيك وأمك ، وبأسماء لست أصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك .
قال سلمان : فأخبرنا . فانشأت أحدّثهم ورسول الله صلّى الله عليه و آله يسمع ، والقوم سامعون واعون .
قلت : يا رسول الله لقد شهدت قسّاً خرج من نادٍ من أندية أياد ، إلى صحصح ذي قتاد ، وسمرة وعتاد ، وهو مشتمل بنجاد ، فوقف في أضحيان ليل كالشمس ، رافعاً إلى السماء بوجهه وبإصبعه ، فدنوتُ منه وسمعتُه يقول : اللهم ربّ هذه السبعة الأرقعة ، والأرضين الممرعة ، وبمحمّد والثلاثة المحاميد معه ، والعَليِّين الأربعة ، وسبطيه النبعة ، والأرفعة الضرِعة ، والسرى اللامعة ، وسمي الكليم الضرعة ، والحسن ذي الرفعة ، أولئك النقباء الشفعة ، والطريق المهيعة ، درسة ۲ الإنجيل ، وحفظة التنزيل ، على عدد النقباء من بني إسرائيل ، محاة ۳ الأضاليل ونفاة الأباطيل ، الصادقو القيل ، عليهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من الله تعالى فرض الطاعة .
ثمّ قال : اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لأْيٍ من عمري ومحياي ، ثمّ أنشأ يقول :
متّى أنا قبل الموت للحقّ مدركُ-وإن كان لي من بعد هاتيك مَهْلَكُ
وإن غالني الدهرُ الخؤون بغوله-فقد غال مَنْ قبلي ومن بعد يوشكُ
فلاغروَ إني سالكُ مَسلك الأُلى-وشيكاً ومَنْ ذا للردى ليس يسلكُ
ثمّ آب يكفكف دمعه ، ويرنّ رنين البكرة وقد برئت ببراة وهو يقول :
أقسم قسّ قسما-ليس له مكتتما
لو عاش ألفيْ عُمُرٍ-لم يلقَ منها سأما
حتّى يُلاقي أحمداً-والنقباءَ الحكما
هم أوصياء أحمدٍ-أكرمُ من تحت السما
يعمى العباد عنهم -وهُمْ جَلاء للعمى
لستُ بناسٍ ذكرهم -حتّى أحلّ الرجَما
ثمّ قلت : يا رسول الله أنبئني ـ أنبأك الله بخير ـ عن هذه الأسماء الّتي لم نشهدها وأشهدنا قسّ ذكرها ؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله : يا جارود ، ليلة أسرى بي إلى السماء ، أوحى الله عزّ وجل إليّ : أن سل مَنْ أرسلنا من قبلك من رسلنا ، على ما بعثوا ؟
فقلت : على ما بعثتم ؟ فقالوا : على نبوّتك وولاية عليّ بن أبي طالب ، والأئمّة منكما .
ثمّ أوحى إليّ : أن التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا عليّ ، والحسن ، والحسين ، وعليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن عليّ ، والمهدي ، في ضحضاح من نور يصلّون .
فقال لي الرب تعالى : هؤلاء الحجج لأوليائي وهذا المنتقم من أعدائي .
قال الجارود : فقال لي سلمان : يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة
1.كذا في المطبوعة ، وفي المخطوطة : «أناتك» .
2.وفي نسخة في هامش (ط) : وورثة .
3.كذا في المطبوعة ، وفي (ط) والمخطوطة : «نجاة» .