الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 15

فكيف يخفى على مثله عدم جواز تبليغ الحكم ما لم يعرف ناسخه؟ لو صحّ فرض خروجه إلى قومه بمثل ذلك.
ثمّ إنّ ما ذُكر إنّما اُثير في وجه قولة الحقّ التي صدع بها أبو ذرّ لردع معاوية من اللعب بأموال اللّه والمسلمين أيام ملكه وبعد ركوبه أعناق المسلمين بعد عام الذلّ، أي عام «40» للهجرة.
ولو فرض صحّة تلك الدعوى، فإنّ أبا ذرّ لابدّ قد عرف الناسخ بعد رجوعه من قومه، كما بلغ غيره حسب الزعم، فلماذا بقي مصرّاً على رأيه، بعد تلك السنين الطوال من وفاة الرسول، حتّى خالف باقي الصحابة، كما يُزْعم!؟
ولمّا رأوا هذه الفضيحة اللائحة في مقالتهم، لجأوا إلى تزييف الحقائق، بدعوى التفرقة بين «التقليد» و«الاتّباع» وسمّوا تقليدهم للصحابة الرواة «اتّباعاً» وأخذ الأحكام عن فقهاء الاُمّة «تقليداً».
ومن أدلّ ما يدلّ على جهلهم حتّى بالمصطلحات الواضحة المتداولة بين المسلمين أنّهم عرّفوا التقليد: «بالرجوع إلى قولٍ لا حجّة لقائله عليه» وهذا يعرِفُ كذبه أصاغِرُ طلّاب العلم ممّن يحفظ متونه، وأنّ التقليد هو «أخذ الأحكام من المجتهد العارف بها من أدلّتها التي تمّت حجّيتها ودليليّتها عنده، كما تمّت دلالتُها على ما يرى»، لكنّ المقلّد - بالكسر - لا يعرف الدليل.
فانظر إلى ما افتأتوه على العلم والعلماء وكافّة المسلمين ممّن يتبعون المذاهب الفقهية، ترويجاً لمزاعمهم.
وقد عقد القرطبي باباً عنونه «بيان فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتّباع» ۱ .

1.جامع بيان العلم وفضله (۲ / ۱۰۹ - ۱۲۰) للمجتهد حافظ المغرب يوسف بن عبد البرّ القرطبي الأندلسي (ت ۴۶۳ه)

الصفحه من 72