الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 16

أورد فيه مجموعة من الآيات والأحاديث والأقوال الذامّة للتقليد، والداعية إلى أخذ العلم والاتّصاف به وتحمّله بالاجتهاد إن أمكن، أو بأخذه من أهله الواقفين على أدلّته، وهو التقليد الفقهي.
ولجأ بعض مستسلفي العصر، من ذيول الحشوية، تحريف كلامه إلى ما ينفعه، فجعل تقليد المذاهب الفقهية للمقلّدين لها، من التقليد الممنوع، داعياً إلى أخذ الأحكام من الكتاب والسنّة، ومن الصحابة.
ومن تأمّل كلام القرطبي وهو من فُقهاء المالكيّة المجتهدين الحفّاظ، علم أنّه إنّما يردّ في هذا الباب على الحشوية بالذات الداعين إلى التقليد للرواة، بلا علمٍ ولا فقهٍ ولا اجتهاد، ولكنّه هو يدعو إلى اتّباع الفقهاء الذين يفهمون مداليل الروايات ومعارضاتها، وهو التقليد الشرعيّ بعينه.
ولو نظر المحقّق إلى الباب الذي سبق ذلك الباب في كتاب القرطبي، المعنون ب«إثبات المُناظرة والمجادلة وإقامة الحجّة» وإلى الباب التالي لذلك، والمعنون «باب ذكر من ذمّ الإكثار من الحديث دون التفهّم له والتفقّه فيه» علم بوضوح أنّ القرطبي إنّما يتصدّى للحشوية الجَهَلة والمقلّدة، والمحشدة للأحاديث بلا فهمٍ ولا فقهٍ.
ويراوغ بعض ذيول السلفية في عصرنا حيث يمتدح أئمّة المذاهب الأربعة، ويعتبرهم متّبعين للسنّة، وأنّ الأصل فيها أنّها شروح للسنّة وفروع عنها، وأنّ أهلها يعلمون أنّها تابعة للسنّة أصلاً وتفصيلاً.
إلى آخر ما يُغازل بها المذاهب وأئمّتها وأهلها!
فإذا كان كذلك فلماذا الهجوم على أتباعها ومقلّديها؟
والدليل على فساد رأيهم في المذاهب الفقهيّة، وتناقضهم في نفي التقليد، أنّهم يَدْعون - بخلاف جميع المسلمين - إلى التقليد في أصول الدين والمسائل الاعتقادية، بينما تلك ممّا يجب فيها العلم والاعتقاد واليقين، والتقليد والاتباع لا يُثمر إلّا

الصفحه من 72