الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 23

اعلم أنّ العلماء أطبقوا على وجوب معرفة اللّه تعالى بالنظر، وأنّها لا تحصل بالتقليد إلّا من شذّ منهم، كعبداللّه بن الحسن العنبري، والحشويّة، والتعليميّة، حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الأصولية، كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع، والنبوّة، والعدل وغيرها.
لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة في أنّه عقليّ أو سمعيّ، فالإماميّة والمعتزلة على الأوّل، والأشعرية على الثاني، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك، بل ببيان أصل الوجوب المتّفق عليه:
من ذلك: أنّ للّه تعالى على عبده نعماً ظاهرةً وباطنة لا تُحصى، يعلم ذلك كلّ عاقلٍ، ويعلم أنّها ليست منه ولا من مخلوقٍ مثله.
ويعلم - أيضاً - أنّه إذا لم يعترف بإنعام ذلك المُنعِم، ولم يذعن بكونه هو المنعِم لا غيره ولم يَسْعَ في تحصيل مرضاته، ذَمّهُ العقلاء، ورأوا سلبَ تلك النعم عنه حسناً.
وحينئذٍ فتحكم ضرورة العقل بوجوب شُكر ذلك المنعم.
ومن المعلوم أنّ شكره على وجهٍ يليق بكمال ذاته يتوقّف على معرفته.
وهي لا تحصل بالظنّيات كالتقليد وغيره، لاحتمال كذب المخبر وخطأ الأمارة، فلابدّ من النظر المُفيد للعلم.
وهذا الدليل إنّما يستقيم على قاعدة الحسن والقبح، والأشاعرة يُنكرون ذلك، لكنّه كما يدلّ على وجوب المعرفة بالدليل، يدلّ أيضاً على كون الوجوب عقلياً.
واعترض - أيضاً -: بأنّه مبنيّ على وجوب ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به.
وفيه - أيضاً - منع للأشاعرة.
ومن ذلك: أنّ الأمّة اجتمعت على وُجوب المعرفة، والتقليدُ وما في حكمه لايُوجبُ العلمَ، إذ لو أوجبه لزمَ اجتماعُ الضدّين في مثل تقليد مَنْ يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه.

الصفحه من 72