الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 27

وهاهنا جواب آخر عنهما معاً، وهو: أنّ النهي في الآية والحديث، مع قطع النظر عمّا ذكرناه، إنّما يدلّ على النهي عن الجدال الذي لا يكون إلّا عن متعدّد، بخلاف النظر فإنّه يكون من واحدٍ، فهو نَصْبُ الدليل على غير المدّعى.
وعن الثالث: بالمنع من صحّة نسبته إلى النبيّ(ص) فإنّ بعضهم ذكر أنّه من مصنوعات سُفيان الثوري، فإنّه روى أنّ عمر بن عبداللّه المعتزلي قال: إنّ بين الكفر والإيمان منزلة بين منزلتين، فقالت عجوز: قال اللّه تعالى: (هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)۱ ، فلم يجعل من عباده إلّا الكافر والمؤمن.
فسمع سفيان كلامها، فقال: عليكم بدين العجائز ۲ .
على أنّه لو سلّم، فالمراد به التفويض إلى اللّه تعالى في قضائه وحكمه والانقياد له في أمره ونهيه.
واحتجّ مَنْ جوّز التقليد: بأنّه لو وجب النظرُ في المعارف الإلهية لوُجِدَ من الصحابة، إذْ هم أولى به من غيرهم، ولم يوجد، وإلّا لنُقل، كما نُقل عنهم النظرُ والمناظرة في المسائل الفقهية، فحيثُ لم يُنقل لم يقع، فلم يجب.
وأُجيب: بالتزام كونهم أولى به، لكنّهم نظروا، وإلّا لزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة اللّه تعالى، وكون الواحد منّا أفضل منهم، وهو باطل إجماعاً.
وإذا كانوا عالمين، وليس بالضرورة، فهو بالنظر والاستدلال.
وأمّا أنّه لم يُنقل النظر والمناظرةُ، فلاتفاقهم على العقائد الحقّة، لوضوح الأمر عندهم، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عن مَنْ لا ينطق عن الهوى، فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث والنظر.

1.سورة التغابن: ۲

2.لاحظ دعوة علماء العامّة إلى دين العجائز والصبيان والحمّالين والنساء في البيوت! في: تلبيس إبليس (ص ۸۲ و۸۶ و۸۷)

الصفحه من 72