الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 28

بخلاف الأخلاف بعدهم، فإنّهم لمّا كثرتْ شُبَهُ الضالّين، واختلفت أنظار طالبي اليقين، لتفاوت أذهانهم في إصابة الحقّ، احتاجوا إلى النظر والمناظرة، ليدفعوا بذلك شُبَهَ المضلّين، ويقفوا على اليقين.
أمّا مسائل الفروع، فإنّها لمّا كانت أموراً ظنّية، اجتهادية خفيّة، لكثرة تعارض الأمارات فيها، وقع بينهم الخلاف فيها والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض، فلذا نُقل.
واحتجّوا أيضاً:
بأنّ النظر مظنّة الوقوع في الشبهات، والتورّط في الضلالات، بخلاف التقليد: فإنّه أبعد عن ذلك، وأقرب إلى السلامة، فيكون أولى.
ولأنّه أغمض أدلّةً من الفروع وأخفى، فإذا جاز التقليد في الأسهل جاز في الأصعب بطريق أولى.
ولأنّهما سواء في التكليف بهما، فإذا جاز في الفروع فليجُزْ في الأصول.
وأُجيب عن الأوّل: بأنّ اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد، لزم إمّا التسلسل، أو الانتهاء إلى مَنْ يعتقدُ عن نَظَرٍ، لانتفاء الضرورة، فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة، وهي احتمال كذب المخبر.
بخلاف الناظر مع نفسه، فإنّه لا يُكابر نفسه في ما أدّى إليه نظره.
على أنّه لو اتّفق الانتهاء إلى مَنْ اتّفق له العلم بغير النظر، كتصفية الباطن، كما ذهب إليه بعضهم، أو بالإلهام، أو بخلْق العلم فيه ضرورة، فهو إنّما يكون لأفراد نادرة، لأنّه على خلاف العادة، فلا يتيسّر لكلّ أحدٍ الوصول إليه مُشافهةً بل بالوسائط، فيكثر احتمال الكذب، بخلاف الناظر فإنّه لا يُكابر نفسه.
ولأنّه أقرب إلى الوقوع في الصواب.
إن قلت: ما ذكرت من الجواب إنّما يدلّ على كون النظر أولى من التقليد، ولا يدلّ على عدم جوازه، فجوازُ التقليد باقٍ لم يندفع.

الصفحه من 72