الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 29

على أنّ ما ذكرته من احتمال الكذب جارٍ في الفروع، فلو منع من التقليد فيها لمنع في الأصول.
قلت: متى سلّمت الأولوية وجب العمل بها، وإلّا لزم العمل بالمرجوح مع تيسّر العمل بالراجح، وهو باطلٌ بالإجماع، لاسيّما في الاعتقاديّات.
وأمّا الجواب عن العلاوة، فلأنّه لمّا كان الطريق إلى العمل بالفروع إنّما هو النقل ساغ لنا التقليدُ فيها، ولم يقدح احتمال كذب المخبر، وإلّا لانسدّ باب العمل فيها، بخلاف الاعتقادات فإنّ الطريق إليها بالنظر ميسّر، فاعتبر قدح الاحتمال في التقليد فيها.
وأمّا احتمال الخطأ في النظر، فإنّه وإن أمكن إلّا أنّه نادر جدّاً بالقياس إلى الخطأ في النقل، فكان النظرُ أرجح، وقد بيّنا أنّ العمل بالأرجح واجبٌ.
وأُجيب عن الثاني:
أوّلاً، بالمنع من كونها أغمض أدلّةً، بل الأمر بالعكس، لتوقّف الشرعيّات على العقليّات عملاً وعلماً.
وثانياً، بالمنع من الملازمة، فإنّ كونها أغمض أدلّةً لا يستلزم جواز التقليد فيها، فضلاً عن كونه أولى، لأنّ المطلوب فيها اليقين، بخلاف الشرعيّات، فإنّ المطلوب فيها الظنّ، اتّفاقاً.
ومن هذا ظهر الجواب عن الثالث.
واحتجّوا أيضاً: بأنّ هذه العلوم إنّما تحصل بعد الممارسة الكثيرة والبحث الطويل، وأكثر الصحابة لم يُمارسوا شيئاً منها، فكان اعتقادهم عن تقليد.
واُجيب: بأنّهم لمشاهدتهم المعجزات وقوّة معارفهم بكثرة البيّنات من صاحب الوحي(ع) لم يحتاجوا في تيقّن تلك المعارف إلى بحثٍ كثيرٍ في طلب الأدلّةعليها.
أقول: وممّا يُبطل به مذهب القائلين بالتقليد: أنّه إمّا أنْ يفيد العلمَ أو لا:

الصفحه من 72