الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 38

والفلسفة الذين يقولون: «لا نعرف إلّا بالعقل» بل الذين يقولون: «بأنّ وجوب المعرفة والنظر ثابت في العقل» ۱ .
جاعلاً ذلك دليلاً على الغنية عن الكلام والنظر، ونقضاً على أهل ذلك العلم.
مع أنّ وجود الاستدلال العقلي في الوحي قرآناً وحديثاً لابُدّ أن يكون مرشداً إلى أنّ الرجوع إلى العقل وأدلّته أمرٌ مقرّ به شرعاً، والتوسّع في ذلك للردّ على الشُبَه المستجدّة من قبل الكفّار والمعاندين أمرٌ ضروريّ باستمرار، فكلّما تجدّد نقض يجب التصدّي له بما يدفعه بالتوسّع في المناهج والأدلّة والاحتجاجات، وهذا هو هدف علم الكلام على طول الخطّ في القرون الماضية.
ولكنّ الحشوية بمنهجهم الجامد، يمنعون من ذلك التطوّر، فلا تبقى لديهم أدلّة إلّا الدفع بالصدر، والتهديد بالسيف، والسبّ والقذف، والفضاضة والقسوة، ممّا يتنافى والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التي دعا إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالّتِى هِيَ أَحْسَنُ)۲.
ولا شكّ أنّ أحسن الجدال مع الأعداء هو الوقوف على شبههم وردّها بطرقهم، والصدّ عنها بأساليبهم، ولم يقمْ بهذا الواجب الإلهي في كلّ عصر إلّا أهل الكلام.
يقول العلّامة الكوثري: لم يعلم أنّ مذهب السنّة بلغ من التمحيص العلمي-على تعاقب القرون - بأيدي نوابغ أهل النظر والفقه في الدين، ممّن لا يعدّ الحشويّ من صغار تلامذتهم، إلى مستوى من قوّة الحجج، بحيث إذا حاول مثله أن يصطدم بها لا يقع إلّا على أُمّ رأسه فيردى ولا يُوْدى ۳ .

1.سورة النحل: ۱۲۵

2.درء تعارض المعقول والمنقول (۷ / ۳۵)

3.مقدّمة تبيين كذب المفتري (ص ۱۷)

الصفحه من 72