الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 45

الحُسنى حقّ، لا يُبطله تسمية المعطّلين لها: «تركيباً» و«تجسيماً».
وكذلك ما دلّ عليه العقل والنقل من إثبات أفعاله وكلامه بمشيئته ونزوله كلّ ليلةٍ إلى سماء الدّنيا، ومجيئه يوم القيامة للفصل بين عباده، حقّ، لا يُبطله تسمية المعطّلين له: «حلول حوادث».
كما أنّ ما دلّ عليه العقل والنقل من عُلوّ اللّه على خلقه ومُباينته لهم، واستوائه على عرشه، وعروج الملائكة والروح إليه، ونزولها من عنده، وصعود الكلم الطيّب إليه، وعروج رسوله إليه، ودنوّه منه حتّى صار قاب قوسين أو أدنى، وغير ذلك من الأدلّة، حقّ، لا يُبطله تسمية الجهمية له: «حيّزاً» و«جِهَةً» و«تجسيماً».
ثمّ قال: قال الإمام أحمد: لا نزيل عن اللّه صفةً من صفاته، لأجل شناعة المشنّعين، فإنّ هذا شأن أهل البدع؛ يُلقّبُون أهل السنّة وأقوالها بالألقاب التي يُنَفّرون منه الجهّال، ويُسمّونها «حشواً» و«تركيباً» و«تجسيماً» ويُسمّون عرش الربّ تبارك وتعالى: «حيّزاً» و«جهةً» ليتوصّلوا بذلك إلى نفي عُلُوّه على خلقه واستوائه على عرشه ۱ .
فأوّلاً: قوله: «ليتوصّلوا إلى نفي عُلُوّه».
مغالطةٌ واضحةٌ، إذ لم يهدف إلى نفي ذلك أحدٌ من الفِرق، بل إنّ نُفاة الحيّز والجهة هم المثبتون للعلوّ الحقّ المطلق، غير المقيّد، وإنّما المجسّمة واللفظية هم المقيّدون للعُلوّ بالمفهوم من الظاهر، والمحدّدين لذلك بجهةٍ معيّنة خاصّة فوقيّة.
وثانياً: قوله: «لا نزيل عن اللّه صفةً من صفاته».
إنّ أهل التأويل لم يحاولوا أن يُزيلوا الصفة، إذ هم حاولوا أن يفهموا معنى تلك الصفة، ففهم الشي ء إثبات له لا إزالة، ولا تعطيل له.
بل، إثبات الصفة، مع المنع من فَهمها هو التعطيل الحقيقي لها، كما سيأتي.

1.الروح، لابن القيم (۱ / ۱۶۵)

الصفحه من 72