الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 46

وثالثاً: قول ابن القيم: «إثبات ما دلّ عليه العقل والنقل... حقّ».
نعم، لاريب في أنّ إثبات الصفة للّه حقّ، لدلالة العقل والنقل عليها، لكن هل العقل والنقل يدلّان على إثبات الاسم فقط، واللفظ المجرّد عن المعنى والمدلول، والفارغ عن المفهوم والمعقول؟ كما تزعمون أنتم؟ حيث تمنعون عن تفسير ما دلّ عليه العقل وورد به النقل.
مع أنّ العقل إذا دلّ على شي ء، فإنّما يدلّ على إثبات معنى ما يدركه، ولا يدلّ على مجرّد إثبات اللفظ، فإنّ المدركات العقلية هي المعاني المفهومة، لا الألفاظ الملفوظة.
فإذا زعمتم كما تلتزمون، بأنّ الثابت للّه هو «مجرّد الاسم» والصفة الخبرية كاسم «الوَجْه» مثلاً مفرّغاً عن المعنى العرفي المفهوم لدى الناس، فأيّ ربط لهذا الوضع اللفظي، بالعقل؟
وإنْ استندتم - كما هو دأبكم - إلى الدليل النقلي، وأنّ هذا قد ورد في النصّ المنقول، فلذا تطلقونه كما ورد، فالكلام الشرعي الوارد بياناً للناس، ولهدايتهم، ولتعريفهم بالحقائق لابدّ أن يكون مفهوماً لهم، ومعبّراً عمّا يتداولونه ويدركونه. فإذا لم تكونوا تقولون في اسم «الوجه» بما يفهمه الناس من العضو المواجه للمخاطب من جسم الإنسان؟ فقد أفرغتم اسم «الوجه» عن معناه المتعارف، لاستحالته، لأنّه يؤدّي إلى التجسيم الذي تأبونه - حسب زعمكم - ويأباه العقل والنقل، وكلّ الموحّدين من الإلهيّين. فإن كنتم عرباً فالتزموا بمعناه العُرفي الصحيح الآخر وهو التأويل.
وإذا لم يكن لاسم الوجه، ذلك المعنى المعروف عند العامة، وتمنعون من التأويل الذي هو معنىً عرفي آخر، مستعمل ومتداول، ومعقول؟
فقد أفرغتم الكلمة من كلّ معنى، فأنتم قد عطّلتم الكلمة من أن تكون مفيدةً للسامعين! ونفيتم أن يكون لها دلالة على أيّ معنى، لأنّكم

الصفحه من 72