الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 50

والثاني: أنّ التأويل أمرٌ مظنون بالاتّفاق، والقول في صفات الباري بالظنّ غير جائز، فربّما أوّلنا الآية على غير مراد الباري تعالى، فوقعنا في الزيْغ.
وأضافوا: بل نقول كما قال الراسخون في العلم: (كلّ من عند ربّنا) آمنّا بظاهره، وصدّقنا بباطنه، ووكلنا علمه إلى اللّه تعالى، ولسنا مكلّفين بمعرفة ذلك ۱ .
هذا ما نقله الشهرستاني عن أصحاب الحديث، وآراء الحشوية وملتزماتهم متوفّرة فيه بوضوح، من منع التأويل، والالتزام بالظواهر كما هي.
وكذلك، فبطلان الاستدلال المذكور واضح جدّاً:
فقولهم: «آمنّا بظاهره» كلامٌ باطلٌ، فالإيمان إنّما يتعلّق بالمعاني، لا بالألفاظ والظواهر الخالية من المعنى، فلا يصحّ أن يقول الإنسان: آمنت بلفظ «قالَ»؟!
وقولهم: «صدّقنا بباطنه» أيضاً كلامٌ فاسدٌ، لأنّ التصديق حقيقته الاعتقاد بصدق الشي ء فيقتضي العلم به، والمفروض أنّ الباطن مجهولٌ، وغير معلومٍ لهم.
فكيف يعتقدون بما لا يَعرفون؟
وماذا هو المصدّق والمعتقد به، وهو مجهول؟
وقولهم: «وكلنا علمه إلى اللّه تعالى» كلامٌ مضحك، فما حصل لكم بهذا التوكيل؟ غير الاعتراف بالجهل؟ ومَنْ كلّفكم بهذا التوكيل؟
وأفظع من جميع تلك الجمل: قولهم: «ولسنا مكلّفين بمعرفة ذلك»!
وإذا لم تكونوا مكلّفين! فلماذا تعرّضتم للإيمان بظاهره والتصديق بباطنه.
ولو كنتم مكلّفين بالإيمان والتصديق، المذكورين، فأنتم مكلّفون بالمعرفة، لأنّ الإيمان والتصديق متوقّفان على المعرفة، ولا يمكن حصولهما بدونها، فمن لا يعرف الشي ء لا يصحّ أن يؤمن به، ولا أن يصدّق به.

1.الملل والنحل، للشهرستاني (۱ / ۳ - ۱۰۴)

الصفحه من 72