الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 51

وأمّا ما يلتزمه الحشوية، فهو مجرّد لقلقة لسان، لا ربط له بالضمير والقلب والوجدان.
وإذا لم تكونوا مكلّفين بالمعرفة؟
فلماذا تطلبون الاُصول بالتقليد، وهو لا يفيد علماً، بل حاصله مجرّد الظنّ الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً.
فلو لم تكونوا مكلّفين بالمعرفة، فاتركوا التقليد، كما تركتم النظر والبحث العلمي، وأهملوا هذه الاُمور، وأوكلوها إلى اللّه تعالى!
وأمّا استدلالهم بآية: (ابتغاء تأويله) فيردّه أنّ الآية دليلٌ واضح على وجود التأويل للمتشابه، وبقيّة الآية تدلّ على أنّ التأويل معلوم للّه تعالى وللراسخين في العلم، وهم يقولون بعد المعرفة: (آمنّا) لا قبلها، لعدم صحّة الإيمان بدون المعرفة، كما مرّ.
فاللازم على المؤمن المصدّق أن يتّبع أوّلاً أولئك الراسخين، فيتعلّم منهم، ثمّ يؤمن بما عرف ويصدّق بالمعلوم، ولا يكتفى بالتقليد الذي لا يستتبع إلّا الظنّ غير الجازم، وغير الموصل إلى العلم.
وأمّا اكتفاء الحشوية بالظواهر، والالتزام بالألفاظ مع تفريغها عن المعاني، فهو جهلٌ، يأباه العوامّ من أهل العربية، إذ الألفاظ إنّما تستعمل للدلالة على المعاني، سواء الحقيقيّة الموضوعة لها، عند الإمكان، أو المجازية المرادة بالاستعمال في بعض الأحيان.
وأمّا إطلاق الألفاظ الفارغة من الدلالات فلا تستتبع الالتزام، ولا يترتّب عليها شي ء من الإرادة والإلزام، ولا يقصد العقلاء مثل ذلك إلّا مع البهائم التي لا تدرك أنّ وراء الألفاظ معاني تقصدُ، وتستعمل لإفادتها.
والمعارف الأصولية، أجلّ مقاماً وأعلى شأناً وأرفع منزلة، أن يتعاطى فيها الألفاظ المفرّغة هكذا.

الصفحه من 72