المحاسبة ، لأنّ علمه بالمنكر أنّه منكرٌ كافٍ في سلامته من المؤاخذة .
«وأمّا مَن رَضِيَ وتابَعَ» ، فهو على رأي الحَشْوِيَّة معذورٌ ، لأنّه على الفرض جاهلٌ لم يعرف أنّه معروف أو منكر ، وعلى حدّ قول ابن تيمية : «لا يعرف حقيقة الأمر» فهو يُقلّد الاُمراء يجعلهم «كالخلفاء الراشدين ، والأئمّة العدول ، فيقلّدهم» كما سبق أن نَسَبَهُ إلى «أهل الشام من شيعة عثمان» وهكذا يكون تبريره عامّاً لجميع الاُمّة، الأقسام الثلاثة: مَن عرف، ومَن أنكر، ومَن رضي .
ولكنّه باطلٌ قطعاً ، لأنّه منافٍ لتصدّي الرواية للتقسيم المذكور ،أوّلاً.
وهو مخالفٌ لمعنى الحديث كما فهمه النوويّ ، وحتى مسلم الذي أوجب الإنكار بالقلب على مَنْ عرف، ومن لم يستطع إلّا بذلك ، وإنْ كان قد سكت عن حكم من رضي وتابع .
والحقيقة : أنّ الحديث - وإنْ كان بصدد نفي القتال للاُمراء الظلمة - إلّا أنّه بصدد إثبات التكليف للأشخاص الثلاثة: مَن كره المنكر ، ولمَن أنكر المنكر ، ولمَن رضي بالمنكر .
ومن الواضح أنّ شأن المسلم مع المنكر أن يُنكره ، وإن لم يستطع فعليه أن يكرهه وهو الإنكار بالقلب ، وإلّا كان راضياً .
فإذا أنكره بأكثر من قلبه ، فإمّا بيده أو لسانه ، فهذه هي المعارضة التي تُبرِى ء ذمّة المسلم من واجب النهي عن المنكر ، وهذا معنى «مَن أنكر فقد بَرِى ءَ» وهذا طبعاً لم يسلم من ملاحقة الدولة وجلاوزتها ، فقد يُصيبه الأذى ، لكنّه في سبيل اللَّه .
ومن كره ، وهو الكراهة بالقلب والإنكار القلبي فقط ، فقد سلم من الأذى ، لكنّه لم تبرأ ذمّتُه ، فلايخلو من العقاب والعتاب بتركه واجب النهي عن المنكر . ومن هنا ظهر الفرق بين المنكِر والكارِه ، وليس كلاهما - كما توهّمه مسلم - «بالقلب» وإلّا لتساويا .