كتاب اللَّه وهو «صحيح مسلم» !.
إنّ ابن تيمية يغلّس عن ذكر هذه الحقيقة ، في هذا الحديث .
وإنّما يركّز على مرامه وهو «نفي القتال للاُمراء» الظلمة!
لكنّا قد أسلفنا في النقاش مع ابن حزم الذي استدلّ بنفس هذا الحديث على عدم الخروج ، وقلنا : إنّ تعليق نفي الخروج بقيد «ما صلّوا» فيه معنىً أكبرُ ممّا يتصوّره الحَشْوِيَّة ، فليس مجرّد إقامة «الصلاة» كافياً في الإعراض عن الولاة والاُمراء وتركهم يعملون ما يشاؤون بمصير الاُمّة ، وليس مبرّراً لتولّيهم السلطات والقدرات التي بها يتمكّنون من الجرائم ويتقوَّوْن على ارتكاب المآثم والمظالم .
ولذا أضاف بعضهم على الحديث : «ما صلّوا الصلاة لوقتها» ۱ .
وقلنا : كلّا ، بل ما صلّوا الصلاةَ بشرائطها الخاصّة ، والعامّة ، وهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، كما سمّاها القرآن .
فلو لم يؤدّوها ، بل قاموا بالفحشاء والمنكر والبغي ، فهم لم يعملوا بالشرط الذي يحقن عنهم السيف والقتال، لأنّهم لم يصلّوا في الحقيقة .
فكيف يقول ابن تيمية «فقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن قتالهم» بقولٍ مطلقٍ بلاقيدٍ ولاشرطٍ ؟ ويقول : «تدلّ على أنّه لايجوز الإنكار عليهم بالسيف» هكذا بلاقيدٍ ولا شرطٍ .
والدليل على ذلك - أيضاً - أنّ الخوارج والزيديّة والمعتزلة والفقهاء الذين رأوا قتالَ ولاة الأمر الفجرة الظلمة، فهموا هذا القيد الذي ورد في الحديث ، لوضوحه ! ولتخلّف اُولئك الولاة الاُمراء عنه، وعدم التزامهم به ، وإن حضروا إلى أماكن الصلاة وأقاموها لتتّسق لهم الاُمور عند العامّة ، ويستمرّوا في سلطانهم .
فما أسهل إقامة صلاةٍ ، إذا كان نتيجتُها انقيادُ الاُمّة لهم بكل يُسْرٍ ومرونةٍ
1.المصنّف لابن أبي شيبة (۳ / ۴۸)