فلم يأمر بقتال الباغية ابتداءً ، فكيف يأمر بقتال ولاة الأمر ابتداءً ؟ ۱ .
أقول : هكذا استدلّ ابن تيمية على رأي الحَشْوِيَّة ، أهل الحديث ، بهذا الكلام الذي رتّبناه ، واستخلصنا منه أدلّته الأربعة ، ورقمّناها .
1 - الدليل العقليّ .
2 - الدليل التاريخيّ .
3 - الدليل النقليّ من السنّة .
4 - الدليل النقليّ من القرآن .
وغرضه : إثبات عدم جواز الخروج على الولاة الظالمين .
وإليك نقض تلك الأدلّة :
أمّا الدليل العقليّ :
فهو أنّ التزاحم بين الفسادين ، لو تحقّق ، فلاشكّ في أنّ العُقلاء يحكمون بدفع الأعظم بالأخفّ والأقلّ .
والجواب : أنّ هذا إنّما يكون صحيحاً في ما لو كان الأمرُ عقليّاً ، أمّا لو كان الأمر شرعيّاً فالمتّبع هو أوامر الشرع الشريف ، ولا تلحظ فيه المصلحة العقليّة المذكورة ، والسؤال هنا إنّما هو عن أمرٍ شرعيٍّ : هل يجوز للمسلم السكوتُ عن تولّي الظالم ، وقيامه بما يُريد من المظالم ؟ وما هو واجب المسلمين في هذه الصورة ؟.
فاللجوء إلى الدليل العقلي ، إنّما يصحّ ممّن لايعتقد بكونها مسألة شرعيّة ، وهو غير منهج الحَشْوِيَّة الذين لايعتمدون الأدلّة العقليّة !.
مع أنّ الأمر لايختصّ بالقتال حتّى تصل النوبة إلى هذا التزاحُم ، بل مطلق الإنكار والمعارضة؛ ولو بدون قتالٍ ، فإنّ الحَشْوِيَّة القائلين بالطاعة المطلقة ، يحرّمون حتّى هذه المواجهة ، ويُوجبون مطلق الطاعة ، كما أسلفنا .