ثمّ إنّ كون القتال مع الأمير الظالم ، أعظم فساداً ، من بقائه وظلمه ، أوّل الكلام ، وغير صحيح على إطلاقه .
بل نقول : بما أنّ الإمارة والتسلّط على الحكم ، لو بني على الفساد والظلم - كما هو المفروض - فهو من أعظم المفاسد ، وليس مفسدةٌ أعظمَ منها ، لأنّه تسليط للظالم على اُمور الدين والدنيا ، وعلى الأموال والأنفس والأعراض ، كما رأينا طول التاريخ الأسود في عصور بني اُميّة والعبّاس وعثمان ، وفي عصرنا الحاضر . حيث أنّ سلطة الفسقة والفجرة ، أدّى بالمسلمين إلى هذا الدمار للعباد والبلاد في الفكر والعقيدة والاقتصاد والأخلاق والدين والشريعة .
بينما لو اُزيل الظلمة ، وصار الأمر بيد الصالحين ، فالمرتجى قيام المسلمين بواجباتهم في العقيدة والشريعة ، والحياة .
ثم إنّ ابن تيمية سكت عن الفَرض المعاكس لفرضة ، فما هو جوابه وجواب الحَشْوِيَّة عمّا لو سُئِلوا : عندما يكون القتال مؤدّياً إلى إزالة الوالي الظالم، وتبديله بوالٍ عادلٍ؛ فهل يجوزُ للمسلمين الإقدامُ على إزالة الظالم ؟!
إنّ الجواب عندهم هو تحريم القتال مطلقاً ، لأنّهم يرون القتال فتنةً وهي غير جائزة عندهم ، من غير أن ينظروا إلى كون فسادها أعظم أو أقلّ أو مساوياً .
إنّ اللجوء إلى هذا الاُسلوب في البحث ، ليس إلّا جدلاً وخطابة ، يبرؤ العالِمُ بنفسه من استعماله واستخدامه !
وأمّا الدليل التاريخي :
فمع أنّ ابن تيمية شكّك في ذلك بقوله : «لعلّه» ممّا لا يجعله قويّاً ثابتاً عنده .
فهو باطلٌ رأساً : لأنّ البحث ليس عن الفَشل والفوز والانتصار ، وإنّما البحث عن الواجب الشرعيّ على المسلمين في مواجهة الوالي الظالم ، هل يجوز قتاله بهدف إزالته ، أو لا ؟.
وأمّا أنّ المسلم إذا قاتَلَ ، يفوزُ أو لا ؟ فهذا أمرٌ آخر ! وهذا كالجهاد مع الكفّار