لأنّ الحديث مطلقٌ بالنسبة إلى الإنكار أن يكون بالقلب أو اليد أو اللسان .
وقال النووي في شرحه ما نصّه : أمّا قوله صلى الله عليه وآله : «فمَنْ عَرِفَ بَرِى ءَ» وفي الرواية التي بعدها : «فمن كَرِهَ فقد بَرِى ءَ» .
أمّا رواية «فمن كره فقد برى ء» فظاهرةٌ ، ومعناه : من كره ذلك المنكر ، فقد برى ء من إثمه وعقوبته ، وهذا في حقّ من لايستطيع إنكاره بيده ولالسانه ، فليكرهه بقلبه وليبرأ .
وأمّا من روى «فمَنْ عَرِفَ بَرِى ءَ» فمعناه - واللَّه أعلم - : فمن عرف المنكر ، ولم يشتبه عليه ، فقد صارت له طريقٌ إلى البراءة من إثمه وعقوبته ، بأن يغيّره بيديه أو بلسانه ، فإن عجز فليكرهه بقلبه .
وقوله صلى الله عليه وآله : «ولكن من رَضِيَ وتابَعَ» معناه : ولكنّ الإثمَ والعقوبةَ على من رضي وتابع ( أي رضي بفعلهم بقلبه وتابعهم عليه في العمل ، وهو مبتدأ حذف خبره لدلالة السياق عليه والتقدير : ولكن من رضي وتابع لم يبرأ ولم يسلم) ۱ .
وفيه دليلٌ على أنّ مَن عجز مِن إزالة المنكر لايأثم بمجرد السكوت ، بل إنما يأثم بالرضا به ، أو بأنّ لايكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه ۲ .
أقول : أمّا رواية :«فمَنْ عَرِفَ بَرِى ءَ» ففيها احتمال آخر : وهو أنّ من كان ما يقوم به الاُمراء عنده معروفاً وليس منكراً ، فهو بري ءٌ من أيّ تكليفٍ تجاهه .
لأنّه ليس بمنكرٍ عنده حتّى يكلَّف بالإنكار أو الكراهة ، فهو بري ءٌ .
وهذا أقرب إلى ما يهواهُ الحَشْوِيَّة ، وكذا اختاره ابن تيمية للبحث .
وعليه يكون معنى «مَنْ أنكر فقد سلم»: من عرف أنه منكرٌ فقد سلم من
1.ما بين المعقوفين منقول في هامش صحيح مسلم طبع صبيح (۶ / ۲۳) عن شرح النووي لكن ليس في الشرح المطبوع حديثاً، وهذا من موارد خيانتهم في مطبوعاتهم الحديثة
2.صحيح مسلم بشرح النووي (۱۲ / ۲۴۳)