وجاءت هذه المآسي من الحشويّة، لأنّهم يكرهون قتال الاُمراء ۱ ولأنّهم قرّروا ضمن عقيدتهم : «لايخرج على الاُمراء بالسيف ، وإنْ جاروا» و «الصبر تحت لواء السلطان» ۲ .
وهم مداراةً للناس، قالوا : «تحت لواء السلطان» وإلّا فالحقيقة هي : «تحت سوط السلطان»! حتّى تُناسب «وإن جاروا» !.
وقد كان الحَشْوِيَّة ، على طول الخطّ ، عوناً للسلاطين الاُمراء في أعمالهم الإجراميّة، وفي حروبهم الداخليّة ضدّ المجاهدين من الأشراف والعلماء والقرّآء من كبار الأمّة ، فهم الذين يشكّلون أرتال الجيوش المحاربة والحرّاس ، والسدنة ، والكتّاب والخدمة !
كما كانوا - ولا يزالون - يستندون إلى السلطات والشرطة ، على مخالفيهم في العقيدة والعمل .
قال واحد من ذيولهم المعاصرين : لايفوتنا أن ننوّه بوجوب الرقابة على الكتب الشرعيّة ، لاسيّما كتب التراث ، ولو بقوّة السلطان ، فإنّ اللَّه عزّوجلّ : «يَزَعُ بالسلطان ما لايَزَعُ بالقرآن» ! وقديماً قال الحافظ زكريّا بن يحيى الساجي (ت 307ه ) عندما رأى بعض صحف العابثين : «عليّ بصاحب الشَرَطة ، حتّى أسودّ وجه هذا» فكلّموه حتّى عفا عنه ، ومزّق الكتاب»(142)
۳ .
وهذه هي عادتهم ودأبهم منذُ القرون الأولى ، فهم - كما قال الجاحظ المتوّفى عام 250 ه : «قد كانوا يتّكلون على السلطان والقدرة، وعلى العدد والثروة، وعلى طاعة الرعاع والسفلة ، فقد صاروا اليوم إلى المنازعة أميل، وبها أكلف؛ لأنّهم حينما
1.المدوّنة (۲ / ۴)
2.التنبيه والردّ للملطي (۱ / ۱۶ - ۱۷) .
3.كتب حذّر العلماء منها ، لحسن مشهور (۱ / ۶۱) عن سير أعلام النبلاء (۱۴ / ۱۹۹)