القرآن الكريم و مشكلة أخبار الآحاد - الصفحه 106

فإنّه لمّا قيل له : «مِن أينَ لك : عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟»
قال : «إنّي رأيتُ الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمّد بن إسحاق ، فوضعتُ هذا الحديث حِسْبَةً» ۱ .
فلمّا رأى الدهريّون والزنادقة أنّ اختلاق الحديث أصبح عادةً راسخةً وطبيعةً ثانيةً لأهل العلم والدين في الإسلام ، استغلّوا تلك الفرصة ، فأدخلوا عشرات الاُلوف من الأخبار المزوّرة في كتب الحديث ، لتخريب الإسلام وهدم بنيانه والنيل من قداسة القرآن .
واليك اعتراف ابن أبي العوجاء الدهريّ المعروف ، لترى مدى سريان هذا الداء في كيان العلم والدين .
كان محمّد بن سليمان (والي الكوفة) حَبَسَه ، ثمّ أمر بقتله سنة 155ه فلمّا أيقنَ أنّه مقتول قال : «أما - واللَّه - لئن قتلتموني لقد وضعتُ أربعة آلاف حديثٍ اُحرّمُ فيها الحلال واُحلُّ فيها الحرام ، واللَّه ، لقد فطّرتُكم في يوم صومكم ، وصوّمتُكم في يوم فطركم» ۲ .
ومع كلّ ذلك ، فقد كان من المستحيل تزوير الأحاديث لإلقاء الشبهة في أصالة القرآن ، بدون أن يبثّ الدعاية أنّ القرآن لم يكن مدوّناً مرتّباً في صورة كتاب في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وأنّ الخليفة الأوّل - أو الثاني أو الثالث - هو قد رتّب القرآن من ألواح الخشب والأحجار والقراطيس والأهب وصدور الرجال، حوالي سنتين - أو 23 سنة - بعد وفاة نبيّ المسلمين صلى الله عليه وآله .

1.البيان في تفسير القرآن : (ص ۳۲) فجر الإسلام لأحمد أمين المصري - القاهرة : ص ۲۱۵

2.تاريخ الطبري : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت : (۶ /۲۹۹) والكامل لابن الأثير : دار الكتاب العربي - بيروت - ۱۴۰۵ / ۱۹۸۵ : (۵ /۳۹)

الصفحه من 122