من أحسن الكنايات عن انتقام المَهْدِيّ عليه السلام ممّن كفر وظلم، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله بُعِثَ رحمةً للعالمين، كما ذكراللَّهُ تعالى في كتابه العزيز (الأنبياء: 107 )والمَهْدِيّ عليه السلام يظهر نقمةً من أعداءاللَّه تعالى، فتفاوتَ الخُلقان مع استواء الخَلقين؛ لأنّه شبيهٌ له في الجسميّة، مخالفٌ له في الفعليّة.
الملاحظة الرابعة: المهدي عليه السلام والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام
قال ابن البطريق: وأمّا ما ورد في ما ذكرناه من الصحاح من قول النبيّ صلى الله عليه وآله: «كيف تهلك أمّة، أنا أوّلها، والمَهْدِيّ أوسطها، والمسيح آخرها» ۱ .
فلم يرد به أنّ المسيح يبقى بعد المَهْدِيّ؛ لأنّ ذلك لا يجوز، لأنّ المَهْدِيّ إذا كان إمام آخر الزمان ومات، فلا إمام بعده مذكورٌ في رواية أحدٍ من الأمّة، فقد بقيت الأمّة بغير إمام، وهذا ما لايمكن أنّ الخلق يبقى بغير إمام.
فإن قيل: إنّ عِيسى يبقى بعده وتقتدي الأمّة به، فغير ممكن - أيضاً- لأنّ عِيسى عليه السلام لايجوز أن يكون إماماً لأُمّة محمّد صلى الله عليه وآله. ولو كان ذلك جائزاً لانتقلت الملّة المحمّدية إلى ملّة عِيسى ، فلايمكن أن يكون ذلك، وذلك لايقوله عاقلٌ ولا محصّلٌ.
بل للخبر معنىً صحيحٌ يحمل عليه و هو أنّه قد تقدّم - معنا - من الأخبار في هذا الباب: أنّ عِيسى ينزل، وقد صلّى الإمام - وهو المَهْدِيّ - بالناس، العصر، وقيل: الصبح، فيتأخّر فيقدّمه عِيسى ، ويصلّي عِيسى خلفه ۲
وما نزل عِيسى - على مقتضى هذه الأخبار - إلّا بعد نفوذ دعوة الإمام واجتماع الناس عليه؛ فيكون مصدّقاً لدعوة الإمام في دعواه، وقوّةً له وعوناً، لاأنّه يغيّر شيئاً ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه وآله.
فتكون فائدة الخبر: أنّ النبيّ أوّلها، لأنّه هو الداعي إلى الإسلام.
1.لاحظ الفصل الثالث من هذا الكتاب، الأحاديث (۹۵ - ۱۰۶).
2.لاحظ الفصل الثالث من هذا الكتاب ، الاحاديث (۹۵ – ۱۰۶)