مع أنّ اللجوء إلى الترجيح بكثرة الحديث، فيه:
أوّلاً: إنّ كثرة الحديث، إنّما تكون مرجّحاً بعد فرض أن يكون الحديث ثابت النصّ موثوقَه، حتّى يقوم بالمعارضة.
وقد عرفت أنّ هذا الحديث الذي فيه اسم « الحسن » هو محلّ البحث والنظر في ضبطه، فإدخاله هنا من المصادرة على المطلوب.
وبعبارة أُخرى: إنّ اللجوء إلى الترجيح بالكثرة فرع ثبوت الدلالة، وإلّا كان أجنبيّاً ولم يقع طرفاً للمعارضة، فلاحظ.
وثانياً: أنّ قاعدة الترجيح بالكثرة، إنّما تفيد في أُصول الفقه للجمع بين الحديثين المختلفين اللذين وردا في إثبات الحكم الذي يُراد التعبّد به شرعاً، فقد قرّروا أنّ الإثبات لأمرٍ شرعيّ يتمّ بذلك، لأنّه يكشفُ عنه حسب تقرير الشارع،و ليس مثل هذا حجّةً في تقرير أمرٍ واقعيٍّ خارجيٍّ، له حقيقةٌ ثابتةٌ لاتتغيّر حسب الفروض والظروف، فإنّ الواقع الخارجيّ موجودٌ واحدٌ، لايوجد بالخبر ولاينتفي بنفيه، وليس قابلاً للتعبّد بثبوته ونفيه، وإنّما الخبر مرشدٌ كاشفٌ عنه، فلايمكن تغييره بنقل الخبر، فكونُ المهديّ مولوداً من نسل الحسن أو الحسين عليهما السلام لايتغيّر ولايختلف باختلافه، وإنّما الخبر - لو اتّحد وانحصر - كشف عن واحدٍ يلتزم به لعدم احتمال غيره، ولو اختلف لم يكفِ الترجيح الأُصوليّ لإثبات طرفٍ من المختلفين، بل لابدّ من اللجوء إلى مُثبتاتٍ أُخرى؛ كالإجماع؛ وعدم الخلاف، وإلّا لتُرك الحديث كلّه، ووُضع الأمرُ في بقعة الإمكان والاحتمال.
والمفروض أنّ الإماميّة، بعد الاختلاف بين الحديثين، لجأوا إلى عدم الخلاف في ورود ولادة المهديّ من الحسين، وأمّا ولادته من الحسن فهو المختلف فيه والمتنازع عليه، فتركوا هذا المختلف فيه من أجل ذاك المتّفق عليه.
وأمّا المنصور فقد لجأ إلى قاعدة الترجيح الأُصوليّة، التي لايثبت بها إلّا الأُمور التعبّديّة، دون الواقعيّة الخارجيّة، فلاحظ.